مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

AL_MAJALLA
AL_MAJALLA

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرّف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطلّ كلّ أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: في الحب واللغة

الكاتبة: إيتل عدنان

تعريب وتقديم: فواز طرابلسي

الناشر: رياض الريس للكتب والنشر - لبنان

يمكن اعتبار هذا الكتاب أنه من إعداد وترجمة وتقديم الكاتب والمترجم اللبناني فواز طرابلسي، إذ أن الكاتبة الراحلة إيتل عدنان لم تكتب كتابا بعنوان "في الحب واللغة" إنما هو مجموعة نصوص كانت الكاتبة نشرتها في مجلة "بدايات" الفصلية التي رأس طرابلسي تحريرها (2012 - 2022)، فجمعها وقدم لها ونشرها تحت العنوان المذكور، وأضاف إليها حوارا أجراه معها في أيامها الأخيرة، "وقد أرادته بمثابة وصيتها عن الفلسفة والفن والأدب والحياة والموت".

يمكن، عبر هذا الكتاب، التعرف إلى أوجه إيتل عدنان الكثيرة، وطريقتها في الكتابة والفن والحياة. كتبت الرواية والشعر والمسرح والسيرة والمذكرات وأدب المراسلة والنقد الفني، باللغتين الفرنسية والإنكليزية، لكنها عندما رسمت -هي فنانة تشكيلية أيضا- "رسمت بالعربية" كما يقول الكتاب.

يمكن أن يتصور القارئ مدى ولعها بالمعرفة والتأمل لمّا يقرأ أنها في نهاية حياتها، وبعمر الـ 96، كانت تتحدث عن "نيتشه والعود الأبدي" وعن "المادة واللون"، وذلك خلال حوارها الأخير مع طرابلسي الذي يعتبر ذلك نوعا من العرفان "للمعلم غاستون باشلار" الذي درست الفلسفة على يديه في باريس وهي ابنة 20 عاما، هو الذي حاول طوال حياته أن يصالح "بين العلم والشعر، والمادة والمخيّلة"، وهذا ما كانت إيتل عدنان تحاوله أيضا: نسج علاقات بين الفلسفة والفن والشعر، كما بين البشر. فـ"الحياة نسيج" كما كانت ترى.

يمكن عبر هذا الكتاب التعرف إلى أوجه إيتل عدنان الكثيرة، وطريقتها في الكتابة والفن والحياة

إيتل عدنان مناضلة نسوية، ترى أن "المرأة هي ما فقده الرجل منذ آدم، والأنثى هي النقصان في الذكر، يقضي الرجال الأعمار والدهور لاستعادتها".

بالإضافة إلى ذلك، هي مناضلة تحررية، فقد ناصرت القضية الفلسطينية. يعتبرها طرابلسي أنها أول الشاعرات والشعراء العرب الذين ربطوا بين مأساة الهندي الأحمر ومأساة الفلسطيني، وناصرت، كذلك، الثورة السورية، واعتبرت أن في سوريا نهرين، "الفرات ونهرا من الدم" في إشارة واضحة وقوية إلى المجازر التي ارتكبها النظام السوري في حق السوريين الثائرين. وعبرت، ببلاغة واقعية قد لا يكون ثمة نظير لها، عن احتجاجها على الاستعمار الفرنسي للجزائر، خلال ثورة الاستقلال التي خاضها الشعب الجزائري، بأن توقفت عن الكتابة باللغة الفرنسية.

كتاب يطفح بالحب الذي أغدقه المترجم على الراحلة.

الكتاب: الكينونة والمعنى – مقاربات وإضاءات تحت مجهر الفلسفة الوجودية

الكاتب: أوس حسن

الناشر: مؤسسة مؤمنون بلا حدود – المغرب

بعد غياب ملحوظ للفلسفة الوجودية عن الساحة الثقافية، عربيا، وربما عالميا، بعدما سادت أفكارها لوقت ما ووجدت معتنقين لها، يأتي كتاب العراقي أوس حسن ليعيد النظر فيها عبر أعلامها من فلاسفة ومفكرين وأدباء، وذلك بسبب أن قضاياها الأساسية التي طرحتها لم تزل موجودة في العالم، حيث يقول الكاتب إن "العديد من الأفراد يعيشون حياتهم وفقا لمبدأ التوازن مع العالم، ويحاولون - قدر الإمكان- تجنب الألم والحصول على اللذة قدر المستطاع. أما الوجودية، فلا ترى أن هناك هدفا للإنسان يتمثل في السعادة، بل ترى أن الإنسان موجود ليعطي معنى لهذا العالم من خلال وجوده في قلب التوتر. فالإنسان هو القيمة العليا للوجود، وهو محكوم بالاختيار والقرار حتى في أقسى الظروف وأشدها تحطيما. لذا، فالوجودية هي فلسفة الإنسان الشجاع، لأنها تحتّم عليه أن يدخل في دوامة الألم والرعب، وأن يكون واعيا بانفعالاته الأصيلة، وبإرادته المتحفزة من قلب الخطر"، فالإنسان القلق والمعذّب والخائف الذي كثيرا ما يشعر بانعدام الجدوى، هو ما تنطلق منه الفلسفة الوجودية، وهو ما تتطلع إليه، لمعالجة مشاكله المستمرة وأزماته المتفاقمة عبر العصور.

الوجودية هي فلسفة الإنسان الشجاع، لأنها تحتّم عليه أن يدخل في دوامة الألم والرعب

يناقش الكتاب آباء هذه الفلسفة من كيركيغارد، إلى دوستويفسكي، ونيتشه وفق مفهومه الشهير الإنسان – السوبر، أو الإنسان الأسمى، ونيقولاي بردائيف الذي طرح مفهوم العزلة، ثم ألبر كامو ورحلة العبث، مع وقفة خاصة أمام مارتن هايدغر، وكولن ويلسون، فاردا لكل من هؤلاء فصلا في كتابه، في تنوع واضح بين الأدب والفلسفة والفكر.

يمكن اعتبار أن الكاتب لجأ إلى أسلوب أدبي في مناقشاته، وليس أسلوبا نسقيا كما درجت العادة في هذا النوع من الكتب، الذي يمكن تصنيفه كتابا فلسفيا، أو كتابا في الفلسفة، وذلك لرؤيته المتمثلة في أن القارئ هنا يندمج روحيا وإنسانيا في الكتاب، دون أن يكون هدفه تعليميا أو نقديا.

الكتاب: ذاكرة أموية

الكاتب: عبد الله بن محمد الرشيد

الناشر: المجلة العربية – السعودية

قد تكون الدولة الأموية من أكثر ما حدث في التاريخ العربي الإسلامي عرضة للجدال منذ تأسيسها حتى اليوم، ولهذا رأى الكاتب السعودي عبد الله بن محمد الرشيد أن يتصدى مجددا لإيضاح الموقف، وذلك عبر تقديم قراءة "حضارية ثقافية لتاريخ الدولة الأموية من خلال رؤية أربعة من كبار المؤرخين والمفكرين المعاصرين وهم: محمد كرد علي، أحمد أمين، يوسف العش، وعبد العزيز الدوري"، حيث اتسمت كتاباتهم بالمنهج العلمي الرصين والموضوعية وسعة المعرفة وعمقها.

يرى الكاتب أن قيام الدولة الأموية كان حدثا هائلا ولحظة مفصلية غيرت شكل العالم ورسمت وجها جديدا للحضارة الإنسانية

يرى الكاتب أن قيام الدولة الأموية كان حدثا هائلا في صفحات التاريخ، ولحظة مفصلية غيرت شكل العالم، ورسمت وجها جديدا للحضارة الإنسانية لا يزال أثره ممتدا إلى اليوم، وأنه "رغم كل هذه المآثر الحضارية العظيمة التي تحققت على يد الأمويين، إلا أن الدولة الأموية تعرضت لكمّ هائل من التشويه والطعن والافتراء في المدونات التاريخية، والمصادر الكلاسيكية العربية، حيث ارتبط تاريخ تلك الفترة بأحداث الاقتتال بين الصحابة، وما ترافق مع ذلك من صراعات طائفية وعقائدية، وبدلا من أن تصرف الجهود لدراسة الأثر الثقافي والحضاري الذي تجلى في عهد الأمويين، وامتد أثره لعصورٍ بعدهم، انصرف جلُّ الحديث للشدّ والجدال والسجال العقائدي، فغابت الحقيقة وتوارت خلف حجب كثيفة من الصراعات الأيديولوجية التي لا تزال تلقي بظلالها على تاريخ تلك الحقبة حتى يومنا هذا". فقد قام معاوية بن أبي سفيان -مؤسس الدولة الأموية- بحماية المنجزات الحضارية الكبرى التي تحققت في عهد الخلافة الراشدة، كما يعتقد الباحث، فحين اضطربت أحوال المسلمين في تلك الحقبة العصيبة التي عُرفت بـ"أحداث الفتنة"، ودبت الفوضى والشقاق، واختلّ النظام السياسي القائم، وكاد عقد الدولة الإسلامية الوليدة أن ينفرط ويتفرق شيعا ودولا وأحزابا، وقف معاوية وقفة للتاريخ، ووضع نظاما سياسيا جديدا يعيد توحيد الدولة العربية الإسلامية، ويجمع شتاتها، تحت راية واحدة، ودولة واحدة، وثقافة واحدة، فأرسى نظام الحكم العربي الإسلامي، وثبّت دعائمه على الأرض، فأثمر امبراطورية كبرى.

يعرض الكتاب آراء كل واحد من المفكرين والمؤرخين الأربعة الذين ناقشهم، ويقدم نبذة مختصرة عن كل واحد منهم، ليعرّفنا بنتاجهم وبأهمية آرائهم وخلاصاتهم، ويكون ذلك كله مؤيِّدا له في تبيانِ أثر الدولة الأموية في تاريخ العرب والمسلمين.

الكتاب: الاغتراب الجميل – فصول غير مروية من سيرة بغداد الثقافية والاجتماعية

الكاتب: علي عبد الأمير عجام

الناشر: دار الرافدين - العراق – لبنان

لم يتوقف الكتّاب والمفكّرون عن الكتابة في موضوع الاغتراب، سوء أكان اجتماعيا أم سياسيا أم ثقافيا أم اغترابا عن / وفي العمل (ماركس)، وسواه، وجميعهم أشاروا إلى قسوته، إلا أن الكاتب العراقي علي عبد الأمير عجام، وصفه بـ"الاغتراب الجميل"، فكيف يكون جميلا وله ما له من آثار مدمرة على الإنسان؟

يذكّر هذا الكتاب بالكتب التراثية التي قدمت ثقافة عصرها، أو ثقافة المرحلة التي عاشها كتّابها، بحضور ضمير المتكلم كشاهد على ما حدث

الكتاب يتحدث عن كتّاب وفنانين ومثقفين عراقيين، عاشوا اغترابهم الخاص، لكنهم أبدعوا وأشاعوا فكرا وفنا تنويريين، وأسهموا، بإرادة قوية، في التصدّي لقيم العشيرة، والمذهبية، والتطرف الديني في بعض الأحيان، إثر انهيار الطبقة المتوسطة والبرجوازية المدينية في العراق اللتين يوكل إليهما التاريخ عادة مهمة التقدم بالمجتمع، والإنتاج الثقافي والفني والمعرفي. نتج من ذلك الانهيار صعود قيم أصولية على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي، وفي موازاة ذلك أنتج اغترابا كاملا عاشه أولئك المثقفون الذين يذكرهم الكتاب بتقدير عال، إلا أن ذلك الاغتراب منحهم فرصة أنهم وقفوا في مواجهة تلك القيم الرجعية، وأنتجوا قيمهم الخاصة عبر أعمال أدبية وفنية، وموسيقية بشكل خاص، ومن هذا الجانب كان اغترابهم "جميلا" كما يصفه الكاتب.

يعتبر عجام أن كتابه هذا هو "رد الجميل لمن حملوا لنا غواية لا أجمل ولا أعذب، لمثقفين عراقيين جعلوا الحداثة والتنوير مبررات لوجودهم، لمثقفي الحداثة الطليعيين قبل نحرهم على يد الجموع الشعبوية" المدفوعة بحماسة الشعارات لمحاربة فكرهم.

يذكّر هذا الكتاب بالكتب التراثية التي قدمت ثقافة عصرها، أو ثقافة المرحلة التي عاشها كتّابها، بحضور ضمير المتكلم كشاهد على ما حدث، وكمشارك فيه.

"في يوم غريب، حقا، من أيام بغداد الغريبة بعد كارثة العام 1991، سهر في بيتي اثنان من مجانين الفن والحياة في بغدادنا العذبة والمعذبة في آن، ليأخذنا الحديث عن سهرة جمعتنا في فندق الشيراتون، عمادها مجموعة من الموسيقيين الشباب، بلغت من العذوبة مستوى لافتا حين قاربت الألحان العراقية والعربية مع روح موسيقى الجاز. وكانت مفاجأة منهما حين قالا لي كيف لي أن أواصل الحديث عن الجاز، وأنا أسكن على مسافة عشرين مترا من مكان يشهد يوميا حفلا حيا لأجمل من يعزف موسيقى الجاز على البيانو. استغربت تلك التفاصيل العجيبة، وسألت التشكيلي أديب مكي وشقيقه الموسيقي جمال، على الفور: أي مكان تقصدان، أهو فندق "برج الحياة" الواقع أول شارعنا؟ فأجاباني بالنفي، وقالا بصوت واحد: لا، إنه "مطعم الغريب"، الغريب حقا، ذلك إنني كنت أمرّ عليه يوميّا، ولمرتين على الأقل، دون أن أعرفه"، وما كان عازف البيانو ذاك إلا سمير بيتر، موسيقي الجاز العراقي الشهير".

بهذه الروحية المحبة يواصل الكاتب ذكرياته في الفن والأدب والموسيقى.

الكتاب: العيش بصحبة الفلسفة

الكاتب: حسن أوزال

الناشر: محترف أوكسجين للنشر – كندا

مثلما ثمة مقولات ظهرت في مراحل تاريخية أو ثقافية معينة، وصارت محل جدالٍ لم ينفك يُثار في مناسبات مرتبطة بها، مثل مقولة إن "الفن للفن"، ظهرت فلسفات كثيرة لم تفعل سوى أن ناقشت نفسها وأسّست لحلبة صراع بين المفاهيم المتعالية وبقيت بعيدة عن الناس وأحوالهم، ما يشي بأنها تقول مقولة مشابهة لتلك، وهي أن "الفلسفة للفلسفة"، وهذا ما يرفضه الكاتب المغربي حسن أوزال جملة وتفصيلا.

كتاب ينطلق من حياة الناس الواقعية ويهدف إلى الالتصاق بها بهدف تغييرها أو تحسينها أو المساعدة على ذلك

يرى الكاتب أن الفن والفلسفة والمنتج الإبداعي كله يجب أن يكون موجها للناس ليعيشوه في حياتهم ويؤثر بهم ويساعدهم. فهو يطرح في بداية كتابه تساؤلا حول ما إذا اختبر أحد "أن يعيش فكرة ما". وذلك على اعتبار أن "الأفكار منذورة لأن تُعاش لا أن تُقرأ فحسب" لأنه في هذه الحالة فقط "تكون ذات مفعول وأثر"، ويتابع موضحا: "نورد هذا الكلام لا لشيء، إنما لأن بعض المثقفين يتعاطون الفلسفة من أجل الفلسفة، مثلما أن بعض الفنانين يتعاطون الفن من أجل الفن، والشعراء الشعرَ من أجل الشعر...". يتساءل أوزال فيما إذا كانت كل فلسفة قابلة لأن تُعاش؟ و"هل بوسعنا أن نعيش فلسفة هايدغر أو هيغل، وأن نعمل بفكرة واحدة من أفكار فيختة"؟  ويتوصل إلى أن ذلك أمر مستحيل، لأن أولئك الفلاسفة المثاليين "يبنون أفكارا شديدة التجريد والضبابية، أقل ما يقال عنها إنها تشتغل لذاتها منقطعة الصلة بالواقع، باعتباره عالمنا الحسيّ الوحيد الذي فيه نحيا. فهؤلاء بدل أن يجعلونا نختبر الحياة كواقعة، يرمون إلى الإبقاء عليها كفكرة ضاربة في التجريد. إنّهم بقدر ما يستميتون في الزجّ بالناس في سلسلة من التمثّلات الخاطئة، والتعقيدات الزائدة، يرمون من وراء ذلك إلى نزع الطابع الماديّ عن الواقع، وفتح الباب مشرعا أمام رزنامةٍ من الترّهات الماورائية".

كتاب ينطلق من حياة الناس الواقعية ويهدف إلى الالتصاق بها بهدف تغييرها أو تحسينها أو المساعدة على ذلك، يرمي إلى جعل الفلسفة في متناول الناس مثل باقي أشيائهم الحميمة، وليست بعبعا متعاليا يرى الناس من برجه العاجي كأقزام، ويسفّههم، ويخيفهم. يشرع الأبواب على اتساعها للتفكير الحر. بل إنه، بمعنى قوي، دعوة للحرية وعيش الأفكار والحياة بشغف.

font change

مقالات ذات صلة