الرياض تثبت موقعها كعاصمة الذكاء الاصطناعي في المنطقة

تطبيق "علّام" السعودي يطمح لمنافسة "تشات جي. بي. تي." بالعربية

(واس)
(واس)
لقطة من حفل افتتاح القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في الرياض

الرياض تثبت موقعها كعاصمة الذكاء الاصطناعي في المنطقة

دأبت المملكة العربية السعودية في السنوات القليلة المنصرمة على إعداد البنية التشريعية والتنظيمية للذكاء الاصطناعي، واستثمرت في البشر والبنية التحتية التقنية، لتوفير بيئة جاذبة وموثوق بها من كبرى شركات التكنولوجيا والمستثمرين في العالم. استضافت أكبر المؤتمرات والمعارض والفعاليات لتبادل الخبرات وأبرمت مئات الاتفاقات في شتى مجالات التقنيات الحديثة.

في خلال فترة وجيزة احتلت الرياض موقعا كإحدى أبرز مدن الوجهات العالمية للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، بمختلف مجالاته وتطبيقاته، وصارت تتميز بكفاءات بشرية وطنية في هذا القطاع النامي بسرعة مذهلة. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية استضافت السعودية القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، التي تنظمها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، والتي تعد من أكبر الأحداث العالمية في هذا الحقل.

وكانت الدورة الثالثة للقمة في الرياض من 10 إلى 12 سبتمبر/أيلول الجاري، في رعاية رئيس مجلس الوزراء وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تحت شعار "الذكاء الاصطناعي لخير البشرية"، وشارك فيها 456 متحدثاً من 100 دولة، و32 ألف زائر محلي ودولي، ومئات الخبراء والعديد من شركات التكنولوجيا العملاقة بما فيها أشهر رواد وادي السيليكون في كاليفورنيا.

إن الهدف من إنشاء تطبيق "علام" وتطويره هو أن يكون رديفا عن "تشات جي. بي. تي." على مستوى السعودية وفي الدول العربية مستقبلا

الدكتور هذام التويجري، مساعد مدير مركز المعلومات الوطني لتقنيات التعرف المتقدم والهوية الرقمية في "سدايا"

شهدت القمة إطلاق العديد من المشاريع والمبادرات والتطبيقات الذكية هي الأكبر من نوعها. منها إعلان "سدايا" تنظيم أول بطولة أولمبية عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي (IAIO) بمشاركة أكثر من 25 دولة، وكذلك إطلاق المركز الدولي للأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الرياض، في رعاية الأمم المتحدة ممثلة باليونسكو. وكذلك الشراكة بين المملكة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الذكاء الاصطناعي الموثوق به، وإطلاق ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي.

"علّام" بالعربية مثل "تشات جي. بي. تي."

ومن أبرز ما حملته الدورة الثالثة للقمة، إعلان إتاحة تطبيق "علّام"، على نظام "Azure" لشركة "مايكروسوفت" إلى جانب أنظمة سحابية أخرى، الذي يتميز بمحادثة المستخدمين والرد على أسئلتهم واستفساراتهم باللغة العربية، ويحتوي على 500 مليار وحدة لغوية، كما يتضمن 300 ألف كتاب عربي، ولإنشائه عملت 160 جهة حكومية سعودية، في ما بينها للوصول إلى النموذج الأفضل من هذا التطبيق.

(واس)
حضور حفل افتتاح القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في العاصمة السعودية الرياض، الثلاثاء 10 سبتمبر 2024.

وكشفت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" عن عزمها التعاون مع شركة "إنفيديا" العالمية لتمكين المطورين من بناء ونشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي بسهولة أكبر عبر نموذج "علّام" للغة العربية، وتعزيز فاعلية النموذج وزيادة قدراته بالاستفادة من القدرات التكنولوجية الهائلة لشركة "إنفيديا."

ويتيح هذا التعاون استفادة نموذج "علّام" من منصة "NVIDIA NeMo" ضمن برمجيات إنفيديا للذكاء الاصطناعي لتدريب نماذج اللغة وتوفيرها للمستخدمين على نطاق واسع، مع تسخير حواجز الحماية لضمان سلامة الأنظمة، كما يرسخ معيارا جديدا لنماذج اللغة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في المنطقة مما يجعلها عنصراً محورياً في هذه التقنيات المتقدمة باللغة العربية، وتساعد الشركات في الوصول الى "NVIDIA NIM" التي أُعلنت أخيرًا. وإضافة إلى هذه التطورات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ستعمل "سدايا" بشكل وثيق مع "إنفيديا" لتحسين بنيتها التحتية للحوسبة الفائقة، حيث توجد خطط لإنشاء أحد أكبر مراكز البيانات ذات الأداء العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال تعزيز البنية التحتية الحالية لحاسوب "سدايا إنفيديا دي جي إكس سوبر بود" الذي يمتاز بمواصفات فريدة من نوعها.

70 اتفاقية ذكية

وقال مساعد مدير مركز المعلومات الوطني لتقنيات التعرف المتقدم والهوية الرقمية في "سدايا" الدكتور هذام التويجري لـ"المجلة" خلال فعاليات القمة "إن الهدف من إنشاء تطبيق علام وتطويره هو أن يكون رديفا عن "تشات جي. بي. تي." على مستوى السعودية وفي الدول العربية مستقبلا".

أكبر برنامج تدريبي في السعودية، "سماي"، لتدريب مليون سعودي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالتعاون ما بين ثلاث جهات حكومية سعودية

وعلى هامش فعاليات القمة، وقعت نحو 70 اتفاقية في مجال الذكاء الاصطناعي، سواء بين شركات تكنولوجيا عالمية ومحلية أو مع وزارات وجهات رسمية، بهدف توطين خدمات الحوسبة السحابية للذكاء الاصطناعي، وتسهيل الطريق للمنشآت الصناعية للتحول الرقمي. كما تتفاوض السعودية مع شركات في وادي سيليكون لاستثمارات في حقل الرقائق وأشباه الموصلات.

(واس)
الأمين العام المؤسس لمنظمة التعاون الرقمي ديمة اليحيى تتحدث للحضور خلال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في الرياض.

وأوضح التويجري لـ"المجلة" أن من أهم الأهداف المرجوة في القمة العالمية في نسختها الثالثة "هي جعل السعودية في مقدمة الدول على خريطة الذكاء الاصطناعي". مضيفا أنه في سبيل ذلك "حرصت سدايا خلال القمة على تعزيز الشراكات وتوقيع العديد من الاتفاقات مع كبرى الشركات التكنولوجية كـ"مايكروسوفت"، و "أي بي أم" وشركة ST Engineering، وغيرها من الشركات العالمية".

من جانبها، أعلنت منظمة التعاون الرقمي خلال القمة إطلاق أول مركز تميز دولي للذكاء الاصطناعي التوليدي، بهدف دعم الشركات الناشئة والمبتكرين، وتسهيل وصولهم إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء بما يضمن استدامة الحلول الفعالة في هذا المجال.

"سماي" أكبر برنامج تدريبي

كما كشف عن أكبر برنامج تدريبي في السعودية، "سماي"، لتدريب مليون سعودي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالتعاون ما بين ثلاث جهات حكومية سعودية هي وزارة التعليم والهيئة السعودية للذكاء الاصطناعي ووزارة الموارد البشرية.

وتهتم الرياض بالجانب الأخلاقي و"الذكاء الاصطناعي المسؤول"، خصوصا في ضوء انتشار الاحتيال وسرقات حقوق الملكية الفكرية، لضمان هذه الحقوق ومصادرها، ولطالما كان هناك مخاوف من اختراق الخصوصية والأمان، لذلك كان ملف الأخلاقيات حاضرا في القمة بقوة، حيث أعلنت "سدايا" إطلاق وثيقة المبادئ التوجيهية للتصدي لعمليات التزييف العميق في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بهدف رفع مستوى الوعي التكنولوجي والتعريف بالطرق الأمثل لتوظيف التقنيات الحديثة.

قطعت الرياض أشواطا كبيرة في مساعيها لأن تصبح مركزا عالميا للذكاء الاصطناعي، كما أزالت الكثير من العقبات في إجراءات الاستثمار الأجنبي

أحمد رجب، المدير الإقليمي لشركة "PNY"

تجاوز حجم الاستثمار السعودي في مجال الذكاء الاصطناعي 6 مليارات ريال (1.6 مليار دولار) حتى الآن، ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 75 مليار ريال (20 مليار دولار) قبل حلول عام 2030، وذلك بحسب تصريحات المتحدث الرسمي باسم "سدايا" ماجد الشهري.

 (واس)
الذكاء الاصطناعي التوليدي يحتاج الى كميات هاءلة من الكهرباء

ويرى المدير التنفيذي لشركة "vresolv.io" عادل جليل، أن الرياض هي الوجهة الأنسب للاستثمار في مشروعات الذكاء الاصطناعي. وقال لـ"المجلة" على هامش فعاليات القمة "التقيت مع مسؤولين من سدايا، هم أشخاص فعلا لديهم المواهب وفكر واضح لتحقيق أهدافهم، وليس لديهم أي بيروقراطية في ذلك". وأضاف"أن السعودية تضع أموالها في المكان المناسب، ودليل ذلك المكاسب التي حققتها من خلال هذه القمة".

إقرأ أيضا: الذكاء الاصطناعي "يبلع" كهرباء الكوكب

وشرح أحمد رجب، المدير الإقليمي لشركة PNY لـ"المجلة"، العوامل التي ساهمت في جعل السعودية مركزا عالميا للذكاء الاصطناعي قائلا "إن الرياض قطعت أشواطا كبيرة في مساعيها لأن تصبح مركزا عالميا للذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال التمويل والموارد اللازمة التي توفرها، يضاف إلى ذلك استمرارها في عمليات الاستكشاف والتطوير، كما أزالت الكثير من العقبات في إجراءات الاستثمار الأجنبي وفي تشجيع نقل مقار الشركات التكنولوجية العالمية إليها".

السعودية في المقدمة

كانت بداية موجة التحول الرقمي مع انطلاق "رؤية 2030" التي تسعى الى تفوق المملكة في شتى المجالات في الشرق الأوسط، ولذا أطلقت استراتيجيا "سدايا" التي تساهم في تحقيق 66 هدفا من أصل 96 مستهدفا للرؤية، والتي أعلنت في الدورة الأولى للقمة العالمية للذكاء الاصطناعي في عام 2020. وعلى الرغم من أن السعودية لم تستثمر في الذكاء الاصطناعي منذ وقت طويل إلا أنها استطاعت في فترة قصيرة مقارعة الدول الكبرى التي سبقتها في هذا المجال، بل التفوق عليها، حيث احتلت المركز الأول عالميا في مؤشر الاستراتيجيا الحكومية للذكاء الاصطناعي متفوقة على ألمانيا، التي حلت في المركز الثاني، والصين في المركز الثالث، بحسب التقرير الصادر عن مؤسسة Tortoise Intelligence، التي تقيس مستويات الذكاء الاصطناعي في أكثر من 60 دولة.

تستخدم "أرامكو" السعودية تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات التنقيب وتحليل البيانات وأسواق النفط، بما يقلل الأخطار ويزيد إجراءات السلامة، ويساعد في توقعات الأسعار

فقد عمدت كل الوزارات السعودية إلى رقمنة خدماتها لتسهيل الوصول إليها وتوفير الموارد، من خلال استخدام أحدث أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنياته، وبالفعل تمكنت في أن تصبح من أوائل الحكومات في المجال الرقمي، حيث جاءت في المركز الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مؤشر نضج الخدمات الحكومية الإلكترونية الصادر عن منظمة الأسكوا التابعة للأمم المتحدة، فيما جاءت في المرتبة الثالثة عالميا على مستوى وعي الحكومات الرقمية في تقرير البنك الدولي الأخير لعام 2024.

الذكاء الاصطناعي قاعدة عمل القطاعات

بات الذكاء الاصطناعي اليوم يلعب دورا كبيرا لدى السعودية، ولا يكاد يخلو قطاع من استخداماته، على سبيل المثل تستخدم شركة "أرامكو" السعودية تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات التنقيب وتحليل البيانات وأسواق النفط، بما يقلل الأخطار ويزيد إجراءات السلامة، ويساعد في توقعات معدلات الأسعار والإنتاج، مما يجعلها تتكيف مع أي متغير أو كوارث بيئية قد تؤثر على أسواق النفط.

وكان وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، أعلن خلال القمة ثلاث ركائز مهمة من أجل الاستفادة القصوى من تقنية الذكاء الاصطناعي في قطاع المصانع. وقال إن الوزارة لديها "برنامج مصانع المستقبل" الذي يشجع المصانع لتبني أحدث التقنيات والذكاء الاصطناعي. وفي التعدين هناك برنامج داعم للمبتكرين تم طرحه في منتدى مستقبل التعدين المقام في الرياض خلال السنة المنصرمة. 

كما تستفيد الرياض من الذكاء الاصطناعي في استخداماته في البورصة والأسواق المالية، للحفاظ على توازن الأسهم ومنع انهيار الأسعار، حيث تتم 25 في المئة من عمليات التداول في الأسواق المالية السعودية بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، بحسب محمد بن عبدالله القويز رئيس مجلس هيئة السوق المالية السعودية. 

وتستخدم السعودية الذكاء الاصطناعي في المجال الرياضي من خلال الشركة التكنولوجية "سكاي" التي تعود ملكيتها لصندوق الاستثمارات السعودي، حيث أعلنت في يونيو/حزيران الماضي برنامج "سبورت نيتـڤ" الذي يوظف أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل أداء اللاعبين ورفع مستوى فعالية المباريات.

font change

مقالات ذات صلة