آلة ناي، عود، وزوج من الأقواس المزخرفة. صياد يمتطي خيلا، ويرتدي وشاحا يتدلى من خلفه قوسه، وغزال يهرب من الصياد.. تلك رسومات منقوشة في قصر الحير الغربي المبني في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك الذي وصلت فيه الدولة الأموية الى أقصى اتساعها وازدهارها. في هذه اللوحة الفنية المحفوظة حتى اليوم من بقايا ذلك القصر الذي بني في عصر صدر الإسلام عام 109هـ، تتجلى لمحة من الحياة الاجتماعية لعلية القوم آنذاك حيث يبدو الذوق الرفيع والعناية بالفنون الموسيقية كإحدى أهم الصور التي تظهر بوضوح منذ اللحظة التي بدأ يتشكل فيها نهج العمارة والفن الإسلاميين الذي يعود الفضل الكبير في بدايته وانطلاقته إلى الدولة الأموية التي طبعت بآثارها وقيمها الثقافية والعمرانية والأدبية العصور الإسلامية التي جاءت من بعدها.
أما إذا انتقلنا إلى قصر الوليد بن يزيد، الخليفة الأموي المثير للجدال والانقسام، الذي سيأتي بعد هشام، وتتلبد سيرته بغيوم الخلاف والفرقة، وبوادر الشقاق، فسيترك وراءه تحفا معمارية طبعت بأثرها العميق مسيرة الفن الإسلامي، وشكلت علامة بارزة لا يمكن لأي باحث في تاريخ العمارة العربية إلا أن يتوقف عندها.
في قصر عمرة الذي يرجع بناؤه إلى القرن الثاني الهجري، نجد الفن يصل إلى مسافات أبعد؛ فنون الحياة والموسيقى تتجلى بأوضح صورها، نجد على الجدران رسوما لنساء ورجال يؤدون ألعابا رياضية ولعازف على العود وآخر ينفخ بالمزمار، ولطيور وحيوانات من قرود وغزلان وحمير وحشية ونمور وأسود، أما الدب فيظهر في لقطة مثيرة للعجب، إذ يجلس مندمجا وهو يعزف على آلة القيثارة.