خسر إقليم كردستان مداخيل النفط من كركوك، وبقيت الشركات العاملة تضاعف ديونها وفوائدها. كذلك بقي الابتزاز من تلك الشركات ومن بغداد نفسها، بعدما نجحت أربيل في استقطاب شركات نفطية إلى أراضيها وتصدير النفط. كان الاستفتاء الذي أجراه الإقليم سنة 2017 نقطة الذروة لمحاولته السير بطريقه الاقتصادي المستقل، بعدها تراجع كل شيء وتداعت الأحلام.
قبل سنوات دخل إقليم كردستان في مشروعه النفطي والاقتصادي الخاص بعيدا من "العقلية الانتهازية" لقادة بغداد، بعدما شعر أن العاصمة تعاقبه لكونه يزدهر أكثر من المركز ولكونه أكثر أمانا، ويرى أنه أكثر جدارة بالاستقلالية في القرار وإدارة البلاد من بغداد العالقة في بوتقة الفساد والفوضى والخلافات المذهبية.
الخلافات مع حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وظهور تنظيم "داعش"، دفعا أربيل إلى البحث عن مصادر دخل أساسية تغنيها عن المقايضات السياسية المرتبطة بالموازنة والحصص المالية في مقابل الحصص الوزارية والائتلافات والعلاقات المستندة على الهوية والمذهب والتواصل مع الخارج. وكان إقليم كردستان بدأ مسيرته مع ظهور الانهيار العسكري الكبير للجيش العراقي في مناطق شمال العراق وغربه ووسطه، لكنه لم يستطع الصمود طويلا في طريقه الخاص، وهو تداعى مع تراجع الوضع الاقتصادي الداخلي، وانقطاع الرواتب، وضعف الموازنة المرتبط بابتزاز الشركات الدولية العاملة هناك، والعقوبات المحلية والاقليمية التي أعقبت الاستفتاء الذي كان يطمح من خلاله الكُرد إلى رسم ملامح مستقبلهم وهويتهم واستقلالهم.
كان الاستفتاء الذي أجراه الإقليم سنة 2017 نقطة الذروة لمحاولة السير في طريقه المستقل. بعدها تراجع كل شيء، فتداعت الأحلام، وما عادت عمليات ترقيع المشاكل الداخلية والخارجية المتفاقمة تصلح مع الوقت. هذا بالتوازي مع لملمة بغداد لهزائمها وضعفها. وبالتالي، سلكت المشاكل مسارين متوازين، لكن ليس في صالح الاقليم:
المسار الأول، تراجع انتاجية الإقليم، والخلافات السياسية، وفشل سياسة الاستقلال الاقتصادي.
مسودة قانون النفط والغاز
المسار الثاني، قدرة المركز على تجاوز الكثير من هزائمه بالقضاء على "داعش"، وقوننة وجود "الحشد الشعبي"، ومحاولات احتواء العلاقات المتوترة بين الشيعة والسنة، وترطيب العلاقات مع دول المنطقة. إلى ذلك كله، كان العامل الأساسي هو النفط وكميته وسعره، حيث كان بقاء سعره مرتفعا والإنتاج موازيا لحاجة السوق الدولية، كافيين لتغطية العيوب الاقتصادية للمركز، وفتح المجال أكثر للتركيز على وقف رحلة الإقليم الخاصة، وسد المنافذ الحياتية عليه. وكان أهم منفذ اقتصادي وسيادي متبقٍ له، بعد نجاح المركز وحلفائه بالاستفتاء والحصول على كركوك والنفط سنة 2017، هو وقف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا، وبالتالي، توقف الإيرادات النفطية ومعه مسار الاستقلال الاقتصادي لأربيل.