في الرابع من شهر ديسمبر/كانون الأول 1992 رُتّب لقاء سري في فندق كافانديش بمنطقة "بيكاديللي سركس" في لندن، جمع بين البروفيسور الإسرائيلي يائير هيرشفيلد، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا، والمفاوض الفلسطيني أحمد قريع (أبو علاء). لم تكن الأجواء توحي بأنهما قادران على التوصل إلى أي اختراق، بعد سلسلة من الهجمات نفّذتها حركة "حماس" في الشهر نفسه، منها اختطاف جندي إسرائيلي ومقتله في 13 ديسمبر، مما أدى إلى اعتقال 415 مواطنا فلسطينيا وترحيلهم إلى جنوب لبنان.
عرّاب المفاوضات السرية كان السياسي النرويجي تاريه رود لارسن، الذي كان يشغل في حينها عمادة معهد العلوم التطبيقية في أوسلو. كان هيرشفيلد صديقا مقربا ليوسي بيلين، نائب وزير الخارجية شيمعون بيريز في حكومة إسحاق رابين، وقد فاتحه بالوساطة النرويجية، وكان جواب بيريز هو الصمت، ما عده هيرشفيلد علامة قبول.
لم يعلموا إسحاق رابين بالمفاوضات بداية، ولا حتى إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون التي دخلت البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 1993. شيمعون بيريز وياسر عرفات فقط كانا على علم باللقاء، وبعدهما محمود عباس (أبو مازن) الذي قال لأحمد قريع: "في إسرائيل لا يوجد شيء اسمه: أكاديمي إسرائيلي مستقل.
اشترط بيريز على الفلسطينيين العودة إلى واشنطن إن أرادوا الاستمرار بمسار أوسلو، وبالفعل عقدت جلسة تاسعة من المباحثات في العاصمة الأميركية يوم 27 أبريل، ولكنها لم تحقق أي تقدم
جميعهم يعملون إما مع الموساد أو مع وزارة الخارجية". اقترح "أبو مازن" استمرار المفاوضات ونقلها إلى أوسلو لتكون برعاية كاملة من تاريه رود لارسن، مع توسيع الوفد الفلسطيني المفاوض بعد أخذ موافقة من عرفات، ليضم حسن عصفور المقرب من "أبو مازن"، والاقتصادي الفلسطيني ماهر الكرد. ثم اتفق الطرفان على إعلام رابين أولا، والولايات المتحدة من قبل إسرائيل، والجانب المصري بواسطة الفلسطينيين.
المقدمة كانت في قطاع عزة
في 13 يناير 1993 عقد الاجتماع الأول في مدينة ساربسبورغ القريبة من العاصمة النرويجية، وبعدها بيومين حضّر الإسرائيليون مسودة إعلان مبادئ، فيها تعهد بالانسحاب من قطاع غزة الفقير والمزدحم سكانيا، الذي كان يقطنه مليون مواطن فلسطيني يشكلون تهديدا داخليا لإسرائيل. كان هيرشفيلد يعلم مدى صعوبة إدارة القطاع من الناحية الأمنية والسياسية، وأن رئيس الوزراء الأسبق ديفيد بن غوريون وصف غزة بالسرطان، وقال رابين إنه ينتظر يوما "تغرق فيه غزة بالبحر". وقد أجرت صحيفة "معاريف" استطلاع رأي ذلك الصيف، جاء فيه أن 77 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون الانسحاب من غزة.