اتفاق السلام مع إسرائيل... هل خلعت المنظمة خيار الحرب؟

"كسر ظهر كيان فلسطيني صغير أسهل من كسر ضلوع الأطفال"

أ.ف.ب
أ.ف.ب
شمعون بيريز، وإسحق رابين، وحسني مبارك، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ووزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر، وهم يلوحون بحفاوة بالغة قبل توقيع اتفاق الحكم الذاتي بين غزة وأريحا في 4 مايو/أيار 1994 في القاهرة.

اتفاق السلام مع إسرائيل... هل خلعت المنظمة خيار الحرب؟

بعد 31 عاماً على اتفاق أوسلو الموقّع في 13 سبتمبر/أيلول 1993، تُعيد "المجلة" نشر مقالات من أرشيفها. وهذا المقال كتبه جول بنرمان من القدس:

فاجأ الفلسطينيون والإسرائيليون العالم بإعلان اتفاق "غزة- أريحا"، وبقدر ما أوجد هذا الاتفاق من حالة تفاؤل بأن السلام بات ممكنا، بقدر ما تسبب في حالة من الارتباك والفوضى في صفوف الإسرائيليين والعرب- خاصة الفلسطينيين- على حد سواء، وأيضا أثار تساؤلات مهمة حول مصير بقية الأراضي المحتلة، بل ومستقبل منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها.

ولعل السؤال الأساسي الذي يُطرح على الساحة الآن هو: هل قررت المنظمة التخلي عن البندقية واختارت الطريق نحو إنقاذ ما يمكن إنقاذه وذلك بالموافقة على هذا الاتفاق الذي وُصف بأنه أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة؟

والسؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن السؤال السابق هو: كيف يرى الإسرائيليون هذا الاتفاق وماذا يتوقعون منه؟

"المجلة" تقدم في الصفحات التالية أصداء هذا الاتفاق إسرائيليا وفلسطينيا، وقصة "جيب أريحا" الذي طرحه كيسنجر منذ حوالي عشرين عاما، وقصة محاولات السلام بين العرب وإسرائيل.

لا يمكن القول إن الجميع داخل إسرائيل مبتهجون بما تم التوصل إليه، بل إن هناك أصواتا متشنجة ومحذرة من نتائج هذا الاتفاق، و"المجلة" في تقريرها الخاص التالي تقدم تقييما لعدد من الشخصيات الإسرائيلية لما تم التوصل إليه.

مجازفة مدروسة

يوسي بيلين، عضو الكنيست عن حزب "العمل" ونائب وزير الخارجية شيمون بيريز:

"إن هذا الاتفاق يشكل مصالحة حقيقية بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني"

وفي مقابل هذه التسوية تلقى الفلسطينيون من إسرائيل أقل بكثير مما كانوا يريدونه في البداية. ونحن أدركنا أنه بالنظر إلى تعثر منظمة التحرير الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة سوف يصعب عليها إعلان الاعتراف بإسرائيل. ولذا قررنا التوصل إلى اتفاق على المبادئ أولا ثم بحث مسألة الاعتراف فيما بعد.

قررت الحكومة أن تُقدم على مجازفة مدروسة من أجل السلام، وتحدي أمننا في المستقبل لن يقل عما قد نواجهه في حالة اندلاع حرب تالية، ونعتقد أنه سيكون من مصلحة منظمة التحرير الفلسطينية أن تصون هذا الاتفاق وتحول دون نسف جهود سلام من قبل الأطراف المعارضة للاتفاق، بما فيها منظمة "حماس". وإذا جرى تنفيذ الاتفاق حسب المخطط وبعد أن تنسحب إسرائيل من غزة لن يكون ثمة ما يستدعي عودتنا إلى هناك وحتى لو حدثت معارك داخلية بين الفئات الفلسطينية فإننا لن نتدخل".

شارون: الحكومة كتفت أيدينا للمستقبل، فمجرد وجود قوات أجنبية سوف يحول بيننا وبين الرد على الإرهابيين الذين يهاجموننا

لا خسارة ولا إذلال

آموس أوز، مفكر وشاعر إسرائيلي:

"إن هذا الاتفاق يعني أن الإسرائيليين والفلسطينيين أصبحوا أخيرا على وشك تقبل الحقيقة البسيطة وهي أنهما شعبان وأن هذا البلد موطن لهما معا.

ولا بد من مضي عدة سنوات بين عقد الاتفاق وبين إنهاء الانسحاب الإسرائيلي، وفي غضون ذلك، سوف يتحتم علينا أن نحتفظ بمواقع معينة بحيث تتمكن إسرائيل من إلغاء الاتفاق في حالة ما إذا ثبت أن الفلسطينيين غير راغبين أو غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم بموجبه، وفي أسوأ الأحوال إذا اتضح أن السلام ليس سلاما حقيقيا، فسوف يكون من الأسهل لإسرائيل عسكريا في جميع الأوقات أن تقصم ظهر كيان فلسطيني صغير مجرد من السلاح بدلا من الاستمرار في تكسير ضلوع أطفال فلسطينيين في سن الثامنة يرشقونها بالحجارة. ومن الضروري أن نبذل كل جهد لنضمن أن السلام لن يقوم على حساب خسارة أي جانب أو إذلاله".

العمل الجنوني

عضو الكنيست عن حزب "الليكود" ووزير الدفاع السابق أريل شارون:

"إن الناس يحبون الإثارة التي تولدها عناوين الأخبار الجديدة. وهم لا يريدون ولا يقدرون على التعمق في دراسة المشاكل. فباعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية ارتكبت الحكومة الإٍسرائيلية عملا جنونيا، وليس معنى ذلك أنه لا مجال للتفاهم مع الفلسطينيين، فنحن نستطيع أن نعيش معهم، ولكن لا سبيل إلى المصالحة مع منظمة التحرير الفلسطينية.

والمشكلة ليست في مسألة غزة وأريحا أولا. وإنما تكمن في مشروع الحكم الذاتي نفسه. فالحكومة مثلا لم تقرن الاتفاق بشرط إيقاف النشاط الإرهابي. وبعدما التزمت بسحب قوات الجيش الإسرائيلي من غزة وأريحا فكيف يمكن للحكومة الإسرائيلية توفير الأمن لمواطنيها هناك وفي غرب النقب وجنوب إسرائيل؟ ومن الذي يتولى اتخاذ الإجراءات الوقائية ومطاردة الإرهابيين بعد شن هجماتهم؟ ومن يوقف انتقال الأسلحة والإرهابيين من سيناء إلى غزة؟ هل تفعل ذلك "قوات الشرطة" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ وأخطر فقرة في الاتفاق هي المتعلقة بوجود دولي أو أجنبي مؤقت، فالحكومة كتفت أيدينا للمستقبل، وذلك بأن مجرد وجود قوات أجنبية سوف يحول بيننا وبين الرد على الإرهابيين الذين يهاجموننا".

المزيد من التنازلات

فلاديمير سليبكوف، مهندس كهربائي هاجر من روسيا إلى إسرائيل في منتصف سنة 1991:

"مبدئيا أحس بالبهجة، فإسرائيل بحاجة إلى السلام لأسباب اقتصادية واجتماعية. وإذا كانت تريد استيعاب ما يصل إلى مليون مهاجر جديد من الاتحاد السوفياتي السابق، فلا بد أن تكون قادرة على أن توفر لهم حياة الرخاء والأمن. وهذا غير ممكن ما لم تعش إسرائيل في سلام مع جيرانها.

ومبعث قلقي هو أن الفلسطينيين لن يكفوا قط عن المطالبة بمزيد من التنازلات من جانب إسرائيل، وأن إسرائيل لن تستطيع الاستجابة لتلك المطالب إلا في حدود معينة. ومنذ قدومي إلى إسرائيل أصبحت حركة "حماس" قوية جدا. فكيف يمكن للفلسطينيين إقناعها بقبول التعايش السلمي مع إسرائيل؟ وإذا كانوا لا يستطيعون ذلك فهل يمكنهم منعها من مهاجمة الإسرائيليين؟

إنني في حين آمل أن يؤدي هذا الاتفاق إلى فض النزاع العربي- الإسرائيلي أرى فيه كثيرا من الغموض، وأهم شيء في هذه المرحلة هو أن لا تصل توقعات الجميع إلى حد أنه إذا لم تسفر مسيرة السلام عن نتائج فورية فسوف تحدث انتكاسة وربما تكون عنيفة".

هذا الاتفاق خطوة هامة إلى الأمام. وإذا ما تم تنفيذه فسوف يكون فاتحة عهد جديد بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل والعالم العربي عموما

انتعاش اقتصادي ننتظره

ديفيد واينمان، من رجال الصناعة وصاحب شركة سولكون الصناعية التي تتألف من مصنعين للإلكترونيات ومصنع لمواد التجميل في إسرائيل:

"إذا أدى هذا إلى اتفاق شامل فسوف يحدث ثورة في الاقتصاد الإسرائيلي. فكثير من الشركات الآسيوية اليوم تحجم عن التعامل مع شركات من إسرائيل لاعتبارات سياسية بحتة، وبما أن تلك المنطقة هي أسرع الأسواق نموا في العالم فإن إبرام اتفاقية للسلام من شأنه أن يزيد مبادلاتها التجارية مع إسرائيل إلى حد كبير ويقلل من اعتماد إسرائيل على الأسواق الأميركية والأوروبية كشركاء تجاريين.

واتفاقية السلام سوف تؤثر على المشاريع الإسرائيلية بطرق مختلفة. هناك إمكانية التبادل التجاري والتكنولوجي مع العالم العربي. وأعتقد أن المرحلة الأولى سوف تشهد الكثير من نشاط المشاريع المشتركة على المستوى المحلي بين الشركات الإسرائيلية وشركات في الضفة الغربية وغزة ومصر، ولن تبدأ الشركات الإسرائيلية في الاتصال بدول الخليج إلا في مرحلة لاحقة.

أ.ف.ب
علم إسرائيلي موضوع في قفص معدني خارج مكتب رئيس الوزراء إسحق رابين في القدس في 30 حزيران/يونيو 1994

ومعظم الصناعيين حذرون بطبعهم، ولذلك فإنني لا أتوقع حدوث أي تحرك حقيقي إلى أن تظهر دلائل ملموسة على أن الاتفاق الفلسطيني- الإسرائيلي يمثل تغيرا هاما في التركيب السياسي الجغرافي لمنطقتنا، وربما يستغرق ذلك بضع سنوات وعندئذ فقط تستغل ثمار السلام بالكامل".

النفوذ المفقود

الدكتور إيفرا سيلفرمان، خبير الشؤون الفلسطينية لدى معهد ترومان بالجامعة العبرية في القدس:

"أعتقد أن هذا الاتفاق خطوة هامة إلى الأمام. وإذا ما تم تنفيذه فسوف يكون فاتحة عهد جديد بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل والعالم العربي عموما. وهو بالنسبة للفلسطينيين يمكن أن يؤدي إلى تحسن واضح في أوضاعهم الاقتصادية والسياسية.

ومع ذلك ينبغي القول إن ما عُرض على الفلسطينيين في اتفاقيات كامب ديفيد سنة 1978 لا يختلف كثيرا عما قبلوا به اليوم.

ولا بد لنا من الانتظار لنرى ما إذا كان بالإمكان تنفيذ الاتفاق. والمشكلة الأساسية هي أن التيار الرئيسي في منظمة التحرير الفلسطينية اعتراه الضعف لقبوله بفكرة إيجاد حل وسط مع إسرائيل، وبالتالي فقد الكثير من نفوذه وتأثيره بين صفوف الفلسطينيين خارج الضفة الغربية وغزة. والسؤال هو ما إذا كان اتفاق المنظمة مع إسرائيل قد أضعفها إلى حد أنها لا تستطيع الوفاء بما تعهدت به".

الأغلبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي لن تقبل أبدا بقيام دولة تقودها منظمة التحرير الفلسطينية في هذه المناطق

لن تكون دولة

ديفيد بيدين، صحفي ومحلل إخباري إسرائيلي:

"ليس كل ما يوقع يتم إقراره بالضرورة. فكلا الجانبين سوف يواجهان مهمة صعبة جدا في إقناع شعبيهما.

يتعين على حزب العمل أن يقنع الرأي العام الإسرائيلي الشديد الريبة بأن وجود قوات شرطة فلسطينية لن يشكل تهديدا للمستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة. وعليه أيضا أن يقنع الجمهور بأن الاتفاق في صيغته الراهنة التي تنص على الحكم الذاتي في غزة وأريحا لن يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية في بقية الأراضي المحتلة. فالأغلبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي لن تقبل أبدا بقيام دولة تقودها منظمة التحرير الفلسطينية في هذه المناطق.

وعلى الجانب الآخر لا يوجد أي دليل حقيقي على أن عرفات يحظى بتأييد كبير بين غالبية الفلسطينيين في المناطق المحتلة. فاستطلاعات الرأي العام حتى الآن تشير إلى أن أكثرية طفيفة فقط من السكان تؤيد الاتفاق. وكلما تحدثت إلى فلسطينيين في مخيمات اللاجئين أجدهم كلهم يمقتون عرفات ويرفضون منظمة التحرير الفلسطينية معبرين عن تأييدهم لمنظمة "حماس".

والسؤال الهام هو ما إذا كان عرفات قادرا على إقناع الجماهير الفلسطينية بهذا الاتفاق سواء في وجود قوات شرطة فلسطينية أو بدونها".

font change

مقالات ذات صلة