وكأن زلزالا ضرب جنين. لم يعد أهلها يعرفون ملامح المخيم الذي يحمل اسمها. الشوارع الرئيسة في المخيم تحولت إلى أكوام من ركام الأسفلت والتراب والصخور. عشرات البيوت في المخيم هدمت كليا أو جزئيا، وأخرى دمرت محتوياتها. المركز التجاري للمدينة دمرت بنيته التحتية، من طرق، وشبكات مياه، وكهرباء، واتصالات. كما أن عددا من المحال التجارية تعرض للتخريب، حيث دمرت الجرافات الإسرائيلية أبوابها وألقت الأتربة والصخور داخلها ما أدى لإتلاف ما فيها من بضاعة.
استغرقت العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين ومخيمها تسعة أيام، وفي اليوم العاشر غادرها الجيش لكنه أعلن أن العملية لم تنته، وستستأنف من جديد، وأنها لن تتوقف إلا بعد القضاء على ما سماه "بؤر الإرهاب" في المخيم، في إشارة إلى عشرات المسلحين الذين ينشطون فيه.
قتل الجيش الإسرائيلي 39 فلسطينيا في هذه العملية التي حملت اسم "المخيمات الصيفية" والتي شملت عدة مناطق أخرى في شمال الضفة الغربية، خاصة مدينة طولكرم والمخيمين المحيطين بها وهما مخيم طولكرم ومخيم نور شمس، ومدينة طوباس ومخيم الفارعة القريب منها.
من بين الضحايا 22 مواطنا في جنين ومخيمها، 7 منهم من المسلحين. وفي طوباس قتل الجيش 5 مسلحين. وفي طولكرم قتل 7 مسلحين، أما الباقي فهم مدنيون. أحدهم رجل عجوز في الثمانين من عمره أطلق عليه الجنود عدة أعيرة نارية وهو يتجول في الحي الشرقي في جنين. رجل آخر في التاسعة والستين من عمره أطلق عليه جنود الجيش الإسرائيلي النار أمام منزله. ومن بينهم موظف حكومي شاب في الثلاثين من عمره أطلقوا عليه النار وهو يقف أمام منزله أيضا.
وحسب إحصاءات مؤسسات حقوق الإنسان، فقد قتل الجيش والمستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حوالي 670 فلسطينيا بينهم حوالي 200 في مدينة جنين ومخيمها.
وإن بدا الدمار واسعا في المركز التجاري بمدينة جنين، فإن دمارا أكبر أصاب البيوت والبنى التحتية في مخيم جنين الصغير الذي تقل مساحته عن كيلومتر مربع ويزيد عدد سكانه على 12 ألف نسمة. فقد تعمد الجنود اقتحام البيوت وترويع سكانها وتدمير بيوت المسلحين المفترضين كليا أو جزئيا، أو تدمير محتوياتها.
وقالت مصادر متطابقة في المخيم لـ"المجلة" إن المسلحين يتبعون تكتيكا في المواجهة مع الجيش الإسرائيلي الذي يشن اقتحامات متتالية للمخيم، وهو الانسحاب إلى مناطق أخرى أكثر أمانا خارج المخيم وربما خارج المدينة والمنطقة.
ودأب الجنود في كل مرة يقتحمون فيها المدينة على تطويق كامل المخيم وبعض أحياء المدينة، والشروع في حملة تفتيش من بيت لبيت بهدف قتل أو اعتقال أعضاء المجموعات المسلحة، لذلك يعمد هؤلاء إلى إفشال الحملة من خلال الانسحاب.
وقال أحد المسلحين من أعضاء المجموعة التي تطلق على نفسها اسم "كتيبة جنين": "نحن نعرف أهدافهم وطريقة عملهم، لذلك نقوم بإفشال هذه الحملات بطرقنا الخاصة".