قارئ العديد من التجارب القصصية العربية تحت تصنيف "قصص قصيرة جدا" يلاحظ أنها بدأت تخرج من الإطار التقليدي الذي يحدد شروط فن القصة القصيرة، المعتمدة في أساسها على وجود حكاية أو قصة تتعلق بحدث أو حال ما. فإذا كانت التنظيرات الأدبية تناولت الفرق بين الحكاية والقصة ومدى تقاربهما وافتراقهما، وإلى أي حد يمكن تحويل حكاية ما إلى شكل سردي في مشهد أدبي قوامه اللغة والوصف أو التصوير إلى جانب القصة، فإننا لا نجد الاهتمام الكافي بالتجارب الكتابية الجديدة التي تكاد تخلو من القصة أو الحكاية، وإن كانت تحمل صفتي القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا. مع ذلك، سنجد أن العديد من المجموعات القصصية الجديدة ما زالت تحافظ على فكرة القصة أو الحكاية بالرغم من الابتكارات الشكلية العديدة، ومن بينها تصنيف "قصة قصيرة جدا". وإن كانت لا تتقيد بشروط البناء الحكائي أو القصصي القديم، وإنما تمضي في ما يمكن تسميته بـ"مجاورة الحكاية"، أي الاقتراب منها دون مماثلتها.
من بين هذه المجموعات، ما وجدته في "ريحانتي" (النادي الأدبي في حائل) و"ضباب" (دار أدب في الرياض) للقاصة السعودية كفى عسيري، التي تحاول الاحتفاظ بفكرة القصة وإن بأسلوب برقيّ خاطف لا يتعدّى، أحيانا، سطورا قليلة، كما في هذه النصوص من "ريحانتي". ففي نص بعنوان "تنبُّه" نقرأ: "حين هممتُ بقسمة التفاحة إلى نصفين رأيتُ في المرآة نصف رجل". وفي نص "توأم": "افترقا بضعا وعشرين خطوة. يلتقيان من جديد. بجانب أعمدة الإنارة توقفا يرتبان ما تبعثر جراء الفراق. تنبه أحدهما أن لا وجود لظله".
هناك قصص تعتمد على الرأي أو الهجاء القيمي كما في حال علاقة المرأة بالرجل، ففي نص بعنوان "عتق" نقرأ: "ذاكرتها مثقوبة، تتساقط منها صنائع زوجها وتضحياته. لوهلة تذكرت أن أعظم صنيع له أنه مات وأعتقها من عناء التذكر". يكشف عنوان نص آخر، "وفاء..."، عن وجود هذه المفارقة القيمية: "فاضت روحها في اللحظة التي صرخت مولودتها مستقبلة الحياة.. يسير في الممر الطويل.. يتوقف عند آخره. يزفر زفرة كبيرة. يخرج هاتفه: أهلا حبيبتي.. بنت.. بنت وستكون على اسمك".