الألم في المجتمعات المعاصرة شخصي وخاص وغير قابل للتشارك، وعلى صاحبه أن يحمل صخرته وحيدا وأن يجتهد كذلك في إخفائها والتصرف كأنها غير موجودة في الأساس. وإذا انحنى المرء تحت ثقل ما لا يمكن احتماله أو فقد السيطرة على نفسه وخرج على حدود الانضباط العامة، اصبح مهددا بالنبذ الاجتماعي والطرد من شبكات التعليم والوظائف والعلاقات.
أبطال فيلم "غوستلايت" من إخراج أليكس تومبسون وكيلي أوسوليفان، التي كتبت كذلك السيناريو، يعانون من فقد ثقيل وغير قابل للتفاهم معه، ويجرّهم في كل لحظة إلى عالمه. نعاين منذ البداية آثارَه المحفورة على ملامح دان، عامل البناء (يؤدّي دوره كيث كوبفيرر)، وزوجته شارون (تارا مالين)، وابنته المراهقة ديزي (كاثرين ماي كوبفيرر)، والتي تسيطر على النظرة إلى العيش وتمثله. حداد مفتوح وغير منجز يخيم على الأجواء ويفجر القدرة على التعايش مع متطلبات الحياة اليومية بكل ما فيها من قسوة لا تعترف بالحق في الألم.
ظل الانتحار
لا يخبر "غوستلايت" (التعبير يعني حرفيا اللمبة التي تترك مضاءة في المسرح بعد إطفاء جميع الأضواء) السبب مباشرة بل يستعرض أحوال الشخصيات وآلية تصرفاتها المتشنجة لفترة زمنية غير قصيرة قبل أن يفجّر العنوان العريض المتمثل في مأساة ضربت عائلة عامل البناء دان إثر انتحار ابنه المراهق بعد علاقة حب مع إحدى زميلاته. وهذا الانتحار يضع العائلة في مواجهة ما لا يمكن إصلاحه وترميمه. تبدو شخصيات الفيلم منفصلة عن أي وجود وذاكرة خارج هذه اللحظة. يحتل الابن المنتحر مساحة الطيف غير المرئي والدائم الحضور.