تغذي التوترات الحالية بين مصر وإسرائيل حول السيطرة على ممر فيلادلفي، تحركات كبيرة على رقعة الشطرنج بين العدوين السابقين. فوراء هذه التحركات تكمن في العمق تحفظات يبديها على الأقل الجيل الحالي من القادة وصناع القرار المصريين على معاهدة السلام التي أبرمتها بلادهم مع إسرائيل عام 1979. فالملحق العسكري لهذه المعاهدة، الذي أنهى الحرب بين البلدين وضمن عودة سيناء إلى السيطرة المصرية، يلزم مصر بنشر عدد محدود من القوات في معظم أنحاء سيناء، وعلى الأخص في جزئها الشمالي، على طول الحدود مع غزة وإسرائيل.
وقد كان هذا الجانب من المعاهدة في مركز الانتقادات التي صبها المصريون من ذوي التوجهات الوطنية، إذ رأوا فيه خرقا جسيما لسيادة بلادهم على أراضيها وعقبة كأداء أمام الخطط الأمنية المصرية في هذا الجزء من البلاد.
ومع ذلك فإن إعادة احتلال إسرائيل في 7 مايو/أيار لممر فيلادلفي، وهو شريط من الأرض يبلغ طوله 14 كيلومترا ويفصل قطاع غزة عن مصر، ويمتد من البحر الأبيض المتوسط غربا إلى الحدود الإسرائيلية في الشرق، وإصرارها على البقاء هناك، يمنح مصر فرصة نادرة في إعادة ترتيب أوراقها الأمنية والاستراتيجية في سيناء. ولشدّ ما راودت هذه الرغبة مصر منذ زمن بعيد. ولا ريب في أن إعادة ترتيب الأوراق الأمنية والاستراتيجية ستخلف آثارا طويلة الأمد على الأمن في هذه المنطقة الواقعة شمال شرقي مصر.
السيطرة الكاملة
زار رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الفريق أحمد خليفة منطقة الحدود مع غزة على نحو مفاجئ في 5 سبتمبر/أيلول، ربما بهدف توصيل رسالة واضحة إلى إسرائيل: نحن هنا ما دمتم أنتم هناك.
وخلال زيارته، تفقد الفريق خليفة عدة مواقع على طول حدود سيناء مع غزة. وأظهرت لقطات نشرها الجيش المصري الفريق خليفة وهو يتفاعل مع القوات المتمركزة في هذه المناطق. وفي أحد مقاطع الفيديو، شوهد وهو يتناول وجبة طعام مع الجنود في مشهد يبدي بوضوح كيف يمكن للخلاف حول ممر فيلادلفي أن يصلب رغبة مصر في تعزيز الأمن في سيناء وتكثيف وجودها العسكري هناك.
كان الفريق خليفة يجلس على بعد أمتار من ساحل سيناء على البحر المتوسط، موليا ظهره لحدود غزة، قريبا جدا من الحدود، لدرجة أن الجنود الإسرائيليين في ممر فيلادلفي كان بإمكانهم، ربما، أن يشمّوا رائحة الطعام الذي كان يتقاسمه مع قواته.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي تكثف مصر إجراءاتها الأمنية في سيناء، ولا سيما في مواجهة المخاوف من امتداد آثار العنف في غزة إلى هذه المنطقة.