ثمة موضوعات من العسير الحديث عنها، ليس فقط لحساسيتها وارتباطها بالمسكوت عنه في المجتمعات العربية، بل أيضا لأن من حولها بُني الكثير من الأحكام والنظريات والأفكار الجاهزة. البغاء هو بالتأكيد، أحد هذه الموضوعات. وهو عالم يرتبط بالنساء أكثر من الرجال، في الذهنية الشعبية، على الرغم من أنه لم يكن ليوجد هذا العالم لولا سلطة الرجال.
وقليلة هي الكُتب العربية التي تناولت الموضوع مباشرة، من وجهات نظر النساء، وكانت طُرقها بطبيعة الحال، محفوفة بالأخطار، وينطبق الأمر نفسه على الأفلام. في حالات أخرى، أو بالأحرى لغات أخرى، نعثر على كتابة حول البغاء، من منظور ممارِساته. كما هي حالة الثقافة الفرنسية على سبيل المثل، التي جاهرت فيها كاتبات وأديبات، صرن لاحقا شهيرات، بالاعتراف بممارستهن هذا العمل، لفترة من الزمن، وعمدن في هذه الكتابة إلى وصف وتحليل الظروف الاجتماعية والثقافية التي تمهِّد له وتحيط به. من بين هؤلاء، نعثر اليوم على اسم فيرجيني ديبانت التي تحتل أعمالها قائمة الأعلى مبيعا في المكتبات الفرنسية، وقد تُرجِم إلى العربية كتابها الأشهر "نظرية كينغ كونغ"، على يد المترجم التونسي وليد سليمان، وبمبادرة من دار نشر "كولت" المغربية العام الفائت، بعدما تُرجم إلى العديد من لغات، وظل لزمن طويل بعيدا عن القارئ العربي.
حاولت ديبانت في كتابها هذا، تأمُّل تجربتها الشخصية بعد مرور سنوات، وتوقفت عند اللحظة التي سهّلت لها لاحقا هذا العمل، وهي لحظة تعرضها للاغتصاب وهي في السابعة عشرة، بينما كانت ترتحل مع صديقتها بين المدن الفرنسية، على طريقة الأوتوستوب، في محاولة للاستمتاع بالشباب والحرية واكتشاف البلاد. سعت ديبانت أيضا إلى تحليل المواقف المتضاربة للسلطة بمستوياتها، من هذا النوع من الأعمال، وربطت هذا التضارب بالتناقض الذهني الحاد في صورة المرأة بين القديسة والعاهرة، الذي يتضح من نقد ديبانت أنه ليس حكرا على الذهنية العربية.