عندما نسير في الشارع، عندما نأخذ الحافلة أو مترو الأنفاق، نرى الآخرين، نشعر تلقائيا بحضورهم كحضور بشري. هذه الحقيقة تعود أساسا إلى حقيقة أنهم يملكون وجوها. وجوها، أي ليس فقط "واجهة" يظهرون بها ككائنات لها عينان وفم وأنف، وإنما وجوه متفردة ترتسم عليها معان ودلالات. كل وجه منها يختلف عن الوجوه التي تحيط به، إنهم يملكون وجها يظهر تعبيرات، أي يدل على وضع، طريقة في الوجود، شعور، نية – تلك الحالات النفسية والأخلاقية التي ننسبها عادة إلى الشخص.
أنا لا أميزك عن غيرك أساسا بخصائص أعضائك وطول قامتك ولون شعرك، حتى إن أدخلت تغييرات على كل هذا، أو حتى إن تقدمت في السن، فأنا أتعرف عليك. فالإنسان يمكن أن يغير مظهره بكامله ما عدا وجهه. لأنه هو هو، لأنه هويته. لا غرابة ألا تحمل بطاقات الهوية إلا صورة الوجه. فنحن نتحدد بالبلد الذي ننتمي إليه، والعنوان الذي نقطنه، والرقم الذي نحمله، لكننا نتحدد أساسا بصورة وجهنا. فهو الذي يميزنا عن الآخرين الذين قد نشاركهم البلد وعنوان السكن، بل هو الذي يميزنا عما عدانا، إنه ما به نخالف الآخرين.
تفرّد
عندما ندرك الوجوه البشرية على أنها كلها متشابهة، يبدو لنا حضورها أقل إنسانية. ما يعطي كل منها تفرده الخاص هو الوجه. تفرد الوجه يحيل إلى هوية الشخص. وجهي يعبر عني كهوية فريدة، أكثر من اسمي الشخصي أو توقيعي.