تحديث نظام الاستثمار السعودي... تسهيلات ومساواة وحريات

نقلة نوعية لتحقيق تدفقات بـ 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2030

أندريه كوجوكارو
أندريه كوجوكارو

تحديث نظام الاستثمار السعودي... تسهيلات ومساواة وحريات

تسعى الدول الهادفة الى تحقيق تنمية مستدامة للعمل على تحفيز الاستثمارات المباشرة، من أجل جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوظيفها في مشاريع حيوية تحقق عوائد اقتصادية واجتماعية. ولكي تحقق الأهداف المنشودة تقوم الحكومات بتشريع قوانين وإصدار أنظمة توفر للمستثمرين الحماية من الأخطار التجارية والسياسية.

في المملكة العربية السعودية، أعلن في شهر أغسطس/آب الماضي تعديل أنظمة الاستثمار من أجل تسهيل تدفق الاستثمارات الأجنبية وتخفيف القيود والعراقيل البيروقراطية. كما جاء في الاعلان أن هذه التسهيلات تتوافق مع أهداف "رؤية 2030" التي أعلنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

من أبرز ما حملته التسهيلات، التي أقرها مجلس الوزراء، هو تمكين المستثمر من تسجيل المشروع مرة واحدة فقط، من دون الحاجة للسعي وراء العديد من التراخيص والموافقات المسبقة، تسهيل الإجراءات لبدء المشاريع الأجنبية، والمساواة مع المواطن، وحرية التصرف في النشاط الاقتصادي وتحويل رؤوس الأموال. وينتظر ان تكشف المزيد من تفاصيل الاجراءات القانونية والتنظيمية التنفيذية قريبا، وربما في نهاية الشهر الجاري.

تشريعات حديثة

وتجتهد دول الخليج، منذ سنوات قليلة، من أجل جذب الاستثمارات المباشرة الأجنبية وهناك منافسات حميدة من أجل كسب المزيد من التدفقات الاستثمارية التي تعزز القدرات على تنويع القاعدة الاقتصادية.

19 مليار دولار الاستثمارات في السعودية عام 2023، وهي تشكل تطوراً جيداً حيث كان معدل الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الفترة من 2017 إلى 2022 يعادل 17 مليار دولار

يؤكد عدد من الخبراء الماليين الذين حضروا مؤتمر "التقنية المالية" في الرياض أخيراً أن "البيئة التشريعية في النظام المالي السعودي تعد الأكثر عدالة، وتحفز الشركات الأجنبية على الاستثمار في السوق المحلية". وأظهر عدد من هؤلاء، عند المقارنة مع بلدان أخرى ومنها الصين، أن السعودية تعد من أفضل الدول التي توفر تشريعات ملائمة للمستثمرين بما يضمن الحقوق ويسهل الإجراءات ويخفف العراقيل البيروقراطية. هذه التأكيدات تشمل القطاع المالي والقطاعات الأخرى مثل الصناعات التحويلية والسياحة والتوزيع وغيرها من مجالات الاستثمار.

واس
مؤتمر التقنية المالية "24 فنتك" في الرياض بحضور تجاوز 37,000 زائر.

لا شك أن السعودية تسعى من خلال تطوير قوانين الاستثمار الى تعزيز دور القطاعات غير النفطية، ورفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي ورفع حصة الصادرات غير النفطية إلى ما يقارب 50 في المئة من قيمة الصادرات الإجمالية للمملكة. ويفترض أن تساهم الاستثمارات الأجنبية في مختلف القطاعات الحيوية، ومنها في الذكاء الاصطناعي، في خلق فرص عمل للمواطنين وخفض نسبة البطالة إلى ما دون السبعة في المئة. وتأتي التشريعات الجديدة نتيجة دراسات معمقة من الخبراء والاختصاصيين السعوديين، حيث تبين لهم معالم القيود والمعوقات التي تحول دون نمو الاستثمار الأجنبي في البلاد، ولذلك كان لا بد من إنجاز التعديلات المشار اليها.

تدفقات استثمارية وطموحات

تشير الإحصاءات الى أن السعودية تلقت تدفقات استثمارية مباشرة في عام 2023 بلغت 19 مليار دولار. وهي تمثل تطوراً جيداً حيث كان معدل الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الفترة من 2017 إلى 2022 يعادل 17 مليار دولار. لكن طموحات "رؤية 2030" والحكومة السعودية تهدف الى رفع قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول العام 2030.

غني عن البيان أن الرقم المستهدف يمثل تحدياً للسلطات الاقتصادية ولذلك كان لا بد من بذل الجهود وتعديل القوانين والأنظمة التي يمكن أن تحول السعودية ملاذاً آمناً للاستثمار، حيث تتوافر الحماية القانونية والاستقرار السياسي والتسهيلات الإدارية المناسبة. ينتعش الاستثمار الأجنبي في أي بلد عندما يشعر المستثمرون بأن الحقوق محفوظة، كما أن قيمة الاستثمار لن تتراجع نتيجة لتراجع أو تدهور سعر صرف العملة الوطنية. كما أن حقوق المستثمرين واضحة ويمكن لهم أن ينقلوا العوائد مقومة بالعملات الأجنبية بحرية إلى أي مكان في العالم.

أهم التعديلات تتعلق بضمان المساواة في المعاملة بين المستثمر المحلي والمستثمر الأجنبي، وتؤكد حرية التصرف في نشاط الاستثمار وتحويل الأموال، وحماية الملكية الفكرية والمعلومات التجارية السريـة

عندما تتوفر الامتيازات والتسهيلات للمستثمرين فإن عامل الجدوى الاقتصادية من الاستثمار يظل ركيزة أساسية. على الدولة المضيفة أن تحدد المشاريع التي تتمتع بميزات نسبية وتحظى بقدرات على تسويق منتجاتها محلياً أو تصدير جزء منها إلى الخارج. يمكن للسعودية أن تحدد العديد من هذه المشاريع ضمن خططها التنموية. هناك مشاريع "نيوم" السياحية حيث يمكن أن تتطور المنتجعات وتساهم في تحقيق إيرادات وأرباح للمستثمرين.

أهمية الجدوى الاقتصادية

لكن يظل على رجال الأعمال والمؤسسات في السعودية توفير الدراسات المقنعة عن كل المشاريع التي يمكن أن تجذب المستثمرين الأجانب. ويوجد شركات تقوم بإجراء دراسات الجدوى الاقتصادية لمختلف المشاريع في السعودية، ويمكن لأي مستثمر التعرف الى هذه الشركات وتكليف أي منها القيام بالدراسات، يمكنها توفير النصيحة النزيهة للمستثمرين، وتبين درجات المخاطرة، وتحديد معدلات العوائد التقريبية، وتحدد كيفية تمويل المشروع، ونسبة القروض، وحقوق المساهمين الملائمة، حيث تختلف معدلات التمويل "Leveraging" من مشروع إلى آخر، ومن قطاع إلى آخر.

أ.ف.ب.

يضاف إلى ذلك أن القانون القديم الذي صدر عام 2000 حدد في المادة العاشرة أن هيئة الاستثمار "توفر للراغبين في الاستثمار كل المعلومات والإيضاحات والإحصاءات اللازمة". ذلك يعني أن هناك إمكانات وتسهيلات للتيقن من مدى جدوى الاستثمار في أي مشروع محدد.

التعديلات والمحفزات

أهم التعديلات على نظام الاستثمار المحدّث تلك التي تتعلق بضمان المساواة في المعاملة بين المستثمر المحلي والمستثمر الأجنبي. كذلك تؤكد التعديلات "حرية التصرف في نشاط الاستثمار وحرية تحويل رؤوس الأموال دون تأخير وتأكيد حماية الملكية الفكرية والمعلومات التجارية السريـــة". 

لا شك أن هذه الحقوق تحفز المستثمر متى ما وجد مشروعاً ملائماً يتمتع بجدوى اقتصادية. كما أن توفير حقوق الإدارة المباشرة من المستثمر الأجنبي يمثل أهمية. يرى المستثمرون ضرورة تولي الإدارة أو تعيين مديرين أكفياء يتمتعون بالمهنية اللازمة.

واجه العديد من المستثمرين الأجانب أوضاعاً صعبة عندما وظفوا الأموال في بلدان عربية عديدة و حرموا الإشراف على استثماراتهم وإدارتها. العديد من المستثمرين الخليجيين واجهوا هذه المشكلات منذ أن انطلقت الاستثمارات الخليجية في البلدان العربية في منتصف سبعينات القرن الماضي. الإدارة السعودية لا بد إنها درست تلك التجارب واهتمت بتوفير الضمانات للمستثمرين الأجانب المقدمين على توظيف أموالهم في البلاد.

أهداف التعديلات

تشدد الأنظمة الجديدة للاستثمار على أهمية التفاعل مع المتغيرات في الاقتصاد العالمي وضرورة التفاعل بين المتطلبات المحلية وحقوق المستثمرين الأجانب. وأكدت التعديلات أهمية أنظمة سوق العمل بما يتوافق مع متطلبات المستثمرين ومسائل تحويل الملكية وتصفية المشروع بما يضمن حقوق المستثمرين.

لا شك أن هناك اهتماما من السلطات السعودية لجذب الاستثمارات وتوظيفها في المشاريع المطروحة ضمن "رؤية 2030". وتشير البيانات الى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية ارتفعت بنسبة 5.6 في المئة خلال الربع الأول من السنة الجارية، حيث بلغت 2.5 مليار دولار، بيد أن المستهدف هو جذب استثمارات أجنبية بقيمة 29 مليار دولار خلال هذه السنة بموجب "رؤية 2030".

تشدد الأنظمة الجديدة للاستثمار على أهمية التفاعل مع المتغيرات العالمية والمتطلبات المحلية وحقوق المستثمرين الأجانب. ومسائل تحويل الملكية وتصفية المشروع بما يضمن حقوق المستثمرين

خلال 2022 تركزت الاستثمارات الأجنبية في قطاع النقل والتخزين الذي حظي بـ 14 مليار دولار، وقطاع الصناعات التحويلية 11 مليار دولار، وهذه البيانات بناء على تقارير وزارة الاستثمار. ومن خلال تحفيزاتها المتنوعة، تهدف الحكومة السعودية إلى الاستثمار في المناطق الاقتصادية الخاصة الجديدة وهي مدينة الملك عبد الله الاقتصادية والمنطقة الاقتصادية برأس الخبر والمنطقة الخاصة بجازان والمنطقة الخاصة للحوسبة السحابية والمعلوماتية.

معطيات وطنية أساسية مبشرة

إذا، فإن النظام الاستثماري الجديد يسعى لتحويل السعودية إلى دولة تحظى بجاذبية استثمارية رشيدة. فهي، بعد هذه التحفيزات القانونية والإجرائية، تعتبر بلداً ثرياً بالمساحة والمصادر الطبيعية إلى جانب الثروة النفطية كما انها تضم حجماً سكانياً مناسباً، ما يقارب 32 مليون نسمة يمثل السعوديون 58.4 في المئة منهم. هناك، أيضا، قدرات استهلاكية مهمة حيث بلغ معدل دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 ما يقارب 118 ألف ريال أو 31،500 دولار. وتشير المعطيات الديمغرافية أيضا إلى إمكانات نمو مهمة في ظل وجود غالبية من الشباب من حيث إن العمر الوسيط " Median Age "، هو 25 عاماً للسعوديين، وتقدر نسبة من تقل أعمارهم عن 30 عاماً بـ 63 في المئة، وهذا بموجب بيانات التعداد السكاني لعام 2022 الذي صدر في مايو/أيار 2023. 

لا بد أن يحقق الاستثمار في السعودية النتائج المرجوة ما دام هناك استقرار سياسي واستتباب أمني وقيادة وطنية تهدف لتحقيق التنمية المستدامة.

font change

مقالات ذات صلة