للمرة السابعة منذ دخول البلاد عهد التعددية السياسية عام 1995، والثانية التي تُجرى بعد مرور خمس سنوات على انطلاق الحراك الشعبي (احتجاجات شعبية اندلعت في 22 فبراير/شباط 2019 في معظم المدن الجزائرية)، خرج الجزائريون على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المبكرة، في موعد يمكن القول إنه حمل بعض الاستثناءات والاختلافات عن عام 2019 وحتى الأعوام 2014 و2009.
ومن المفارقات التي طبعت الانتخابات الأخيرة مستوى العزوف لدى الناخبين عن التصويت رغم اختلاف الظروف عن انتخابات 2019، والخطاب الرسمي الذي انتهج خلال الحملة الانتخابية والذي روج بشكل كبير للإصلاحات السياسية والاقتصادية وتحسن الأوضاع الاجتماعية وأيضا الجهود التي بذلتها السلطة والأحزاب وفعاليات المجتمع المدني والهيئات الدينية لإقناع الناخبين بالإقبال على صناديق الاقتراع.
لم تأت نتائج الاقتراع الرئاسي بأية مفاجآت بخصوص المرشح الفائز والمرشح الخاسر، فقد كانت جميع التوقعات تصب في صالح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون باعتباره الأوفر حظا، لكن المفاجأة الكبرى تخص اكتساحه السباق بحصده 5 ملايين و329 ألفا و253 صوتا بنسبة 94.65 في المئة، وقد عزز الرئيس رصيده بما يقارب 400 ألف صوت لرقمه الشخصي الذي تحصل عليه في رئاسيات 2019 فقد حاز على أربعة ملايين و945 ألفًا و116 صوتا.
وكان لافتا أن عددا قليلا من الأصوات ذهب إلى المنافسين الآخرين، حيث نال المترشح حساني شريف عبد العالي عن حركة "مجتمع السلم" (الإسلامي الإخواني) على 178 ألفا و797 صوتا، ما يمثل نسبة 3.17 في المئة، وحصل المترشح يوسف أوشيش عن "جبهة القوى الاشتراكية" على 122 ألفا و146 صوتا، ما يمثل نسبة 2.16 في المئة.
وفي استقراء للعوامل التي جعلت تبون يكتسح المشهد الانتخابي ويحقق هذا التقدم، سيكون لافتا أنه استفاد من ثلاث أوراق رابحة: تجربته التي تعد الثانية من نوعها في الاقتراع الرئاسي والإنجازات التي حققها في الولاية الرئاسية الأولى وأخيرا الحنكة والخبرة، فالرجل معروف بمشوار مهني وسياسي حافل إذ تقلب بين عدة مناصب منها منصب الوالي وفي سنة 2012، تولي منصب وزير السكن والعمران والمدينة ثم وزير التجارة بالنيابة عام 2017 وبتاريخ 24 مايو/أيار 2017 عُين في منصب وزير أول.
كما راهن الرئيس الفائز على الإنجازات التي حققها في ولايته الرئاسية الأولى (2019-2024)، لاسيما تلك المتعلقة بملف مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة وإعادة بعث المصانع والمؤسسات المتوقفة، إضافة إلى القرارات ذات الطابع الاجتماعي كالزيادات التي مست أجور العمال ومعاشات المتقاعدين ومنحة العاطلين عن العمل بالإضافة إلى تشييد الملايين من الوحدات السكنية بمختلف الصيغ.
أرقام بعيدة عن المأمول للإسلاميين
وقد ضاعفت هذه العوامل من حظوظ الرئيس المرشح عبد المجيد تبون مقارنة بمنافسيه: عبد العالي حساني شريف الذي جاءت أرقامه بعيدة جدا عن المأمول، حتى إنه خسر أمام المرشح الذي حل في المرتبة الثانية في الرئاسيات الماضية إذا ما أجرينا مقارنة معها رغم فارق القوة والانتشار بين "مجتمع السلم" و"البناء الوطني"، إذ حقق مرشحها عبد القادر بن قرين في انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 نسب تصويت مقبولة وجمع قرابة 1,4 مليون صوت من الناخبين رغم أنه لم يكن إطلاقا من بين المرشحين اللافتين خلال ذلك الاقتراع الرئاسي.