إذن أكثر من 11 شهرا على عملية "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عشرات الآلاف من الفلسطينيين قتلتهم إسرائيل بمنتهى الوحشية، غزة صارت مدمرة بالكامل، مجاعة وشيكة وقد مات بعض أهلها وأطفالها جوعا، شلل الأطفال عاد إليها وسباق مع الوقت لتطعيم أكبر عدد ممكن من الأطفال، فلسطينيو غزة نازحون مجددا وبعضهم ما زال ينزح منذ 1948.
جولات من المفاوضات وجولات أكثر من القصف والقتل، قد يقول البعض إن عملية "طوفان الأقصى" كان لا بد منها لتحرير الأقصى أو كما ذكر أبو عبيدة في بداية الحرب أن تحرير كل شبر من فلسطين قد بدأ، وأنها لتحرير الأسرى وتبييض المعتقلات، وكم من صفقة تبادل تمت بين "حماس" وإسرائيل دون أن تكلف هذه الخسائر البشرية والمادية والمعنوية، ألم يخرج يحيى السنوار نفسه بصفقة تبادل دون أن تُدمر غزة فوق رؤوس أهلها؟
بعد أسابيع قليلة على "طوفان الأقصى" والحرب الهمجية التي شنها ولا يزال الإسرائيلي على قطاع غزة، كان واضحا أن مطالب "حماس" من تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين وتحرير فلسطين والانتقام لانتهاكات الإسرائيلي المستمرة بحق المسجد الأقصى، بدأت تتراجع. حتى صار سقف المطالب هو العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولكن من يُقنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بذلك؟
ما يُقارب العام والفلسطينيون يدفعون ثمن عملية شنتها "حماس" والتي تسيطر على قطاع غزة، دون تحقيق أي انتصار.
لم يخذل أحد الفلسطينيين بقدر ما خذلتهم "حماس"، فهل يمكن القول إن من خطط ونفذ لعملية "طوفان الأقصى" لم يكن يتوقع الرد الإسرائيلي؟ هل تفاجأ السنوار مثلا بحجم الإرهاب الإسرائيلي بحق الفلسطينيين؟ أم هل كان ينتظر أن تشن إيران وأذرعها حربا على إسرائيل تطبيقا لشعار "وحدة الساحات" وانتصارا للفلسطينيين؟ واللافت أنه وبعد كل ما حصل خلال الـ11 شهرا الأخيرة، ما زالت "حماس" وكل من يدور في فلك "حماس" لا يجرؤ على قول إن "محور الممانعة" قد خذل فلسطين والفلسطينيين، بل يتفننون في إلقاء اللوم على الدول العربية، وكأن "حماس" قد نسقت عمليتها مع هذه الدول، أو أن زعماء هذه الدول يخطبون في الجماهير ليلا ونهارا واعدين بتحرير فلسطين بالحرب لا إقامة دولة فلسطينية بالسلم.
ما يُقارب العام والفلسطينيون يدفعون ثمن عملية شنتها "حماس" والتي تسيطر على قطاع غزة، دون تحقيق أي انتصار
ما زال من يدور في فلك "الممانعة" يحدثنا عن انتصاراتهم بإعطاب دبابة هنا وقتل جندي إسرائيلي هناك، متجاهلين أن مقابل هذه الدبابة وهذا الجندي تحولت غزة إلى خراب وخسر أهلها عشرات الآلاف من أبنائهم وبناتهم.
كل يوم لا تصل فيه المفاوضات إلى وقف هذه الحرب الهمجية يُكلف مئات الفلسطينيين حياتهم، إضافة إلى الفارين من هذا الجحيم بعدما بقوا في أرضهم سنين طويلة رغم أهوال ما مروا به، كل يوم يُكلف القضية الفلسطينية المزيد من الخسائر، ولم يعد من المنطقي الحديث عن أن القضية انتصرت بمظاهرة دعم هنا أو هناك، فـ"طوفان الأقصى" أعطى لإسرائيل ونتنياهو ما لم يكن يحلم به، وهو تدمير ما تبقى من القضية الفلسطينية وقضم الضفة بالكامل، الأمر الذي لم يخفه نتنياهو، بل كان جليا في مؤتمريه الصحافيين اللذين عقدهما تباعا خلال يومين، خريطة لا تتضمن أية إشارة للضفة بل ورد فقط كلمة إسرائيل في شرق قطاع غزة.
على "حماس" أن لا تفكر في نفسها أو في مستقبلها أو في قطاع غزة فحسب، بل عليها أن تفكر في مجمل القضية الفلسطينية وفي تضحيات مهولة قدمها الفلسطينيون في المئة عام الماضية
لذلك على "حماس" أن لا تفكر في نفسها أو في مستقبلها أو في قطاع غزة فحسب، بل عليها أن تفكر في مجمل القضية الفلسطينية وفي تضحيات مهولة قدمها الفلسطينيون في المئة عام الماضية، قد يتوجب عليها تسليم ملف المفاوضات للسلطة ووقف هذا النزيف الحاصل، وسحب الذرائع من نتنياهو الذي لن يترك أي فرصة لاستمراره، يجب أن تدرك "حماس" أن فلسطين أكبر منها وأن مغامرتها العسكرية باتت سكينا يذبح كل هذه النضالات من الوريد إلى الوريد في ظل حكومة يمينية إسرائيلية متطرفة، تلقفت هذه المغامرة، وحولتها لحطب يوقد النار لأيديولوجيتها وسياساتها الرامية لإنهاء القضية الفلسطينية.