في حين قد يشعر البعض بالارتياح لأن رد "حزب الله" على اغتيال قائده العسكري الأعلى فؤاد شكر لم يتصاعد بعد إلى صراع أكبر في المنطقة، فلا يجب أن نستكين إلى ذلك ونفترض أن الخطر قد زال. ذلك أن إيران أوضحت نيتها في السعي إلى الانتقام بشكل منفصل لمقتل إسماعيل هنية في طهران. ومع ذلك فما ينبغي أن نخشى منه أكثر هو مهارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الاستفادة من هذه الاستفزازات التي تقترب من الحرب لتعزيز مكانته السياسية في الداخل، وهو ما يشير إلى أن التوترات الإقليمية بعيدة كل البعد عن الهدوء.
والواقع أن عدة استطلاعات رأي إسرائيلية تظهر الآن – ولأول مرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول أن نتنياهو وحزبه "الليكود" يتصدران القوى الأخرى، على الرغم من التحديات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية الشديدة التي تواجهها إسرائيل. ولا ريب في أن هذا الانتعاش السياسي المفاجئ يعني أن نتنياهو سوف يستمر على الأرجح في استخدام التكتيكات العدوانية ضد إيران و"حزب الله" لتعزيز صحوته السياسية غير المتوقعة والحفاظ على تقدمه في استطلاعات الرأي.
والأكيد أن استراتيجية نتنياهو المتمثلة في تمديد الهجوم العسكري على غزة ليست سوى خطوة متعمدة لضمان بقائه السياسي. ففي أعقاب هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر، اعتبر كثيرون أن حياته السياسية قد انتهت تقريبا، وتوقعوا الإطاحة به بمجرد توقف القتال. ولكن على الرغم من كل الصعوبات، لم يكتف نتنياهو بالمحافظة على حكومته سليمة فحسب، بل حقق أيضا انتعاشا ملحوظا في الدعم الشعبي، وهو أمر كان تصوره قبل بضعة أشهر فقط من الصعوبة بمكان.
يعود الارتفاع الأخير الذي حققه نتنياهو في استطلاعات الرأي، إلى حد كبير، إلى موقفه من إيران
وقد لوحظ هذا التحول الدرامي لأول مرة في استطلاع الرأي الأسبوعي الذي أجرته صحيفة "معاريف" في التاسع من أغسطس/آب، والذي كشف أنه إذا أجريت الانتخابات في ذلك اليوم، فإن حزب "الليكود" بزعامة نتنياهو سوف يخرج منتصرا. وفي منافسة مباشرة، فضل 42 في المئة من المستجيبين نتنياهو كرئيس للوزراء، مقارنة بـ40 في المئة لبيني غانتس، زعيم حزب "الوحدة الوطنية"، الذي ترك حكومة حرب نتنياهو في يونيو/حزيران للانضمام إلى المعارضة. واستمر هذا الاتجاه في استطلاعات الرأي اللاحقة، حيث أظهرت استطلاعات أُجريت في السادس عشر والثالث والعشرين من أغسطس أن "الليكود" يحافظ على تقدمه، وإن كان بهامش أضيق.
ويعود الارتفاع الأخير الذي حققه نتنياهو في استطلاعات الرأي، إلى حد كبير، إلى موقفه من إيران. فقد كان زخمه السياسي يتزايد بشكل مطرد منذ أبريل/نيسان، في أعقاب اغتيال إسرائيل لقائد "فيلق القدس" الإيراني محمد زاهدي في قنصلية طهران في دمشق. وقد كشفت هذه الضربة- التي أسفرت أيضا عن مقتل الكثير من كبار الضباط العسكريين- للجمهور عن القدرات الواسعة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وبالنسبة لنتنياهو، أصبحت هذه الأجهزة إكسير الحياة الذي يمكن أن يعيد حياته السياسية من القبر.
وقد أظهر أول استطلاع أسبوعي أجرته صحيفة "معاريف" بعد الاغتيال دفعة كبيرة في شعبية نتنياهو. كما عزز نجاحه في حشد تحالف من الحلفاء الغربيين والعرب لمواجهة الانتقام الإيراني المحتمل موقفه، وبحلول أواخر أبريل، وصلت معدلات تأييده إلى أعلى مستوياتها منذ بدء الصراع.
أصبح موقف نتنياهو العدواني ضد إيران و"محور المقاومة" ورقة رابحة قوية في صفه
ورغم استمرار صعود نتنياهو السياسي، إلا أنه لم يتصدر استطلاعات الرأي حتى أغسطس/آب. ولم تكن التطورات المحلية وراء هذا التحول، حيث لا يزال الوضع في إسرائيل صعبا مع استمرار الصراعات في غزة، وأزمة الرهائن، والقضايا الاقتصادية والأمنية. ولكن العامل الرئيس الذي حشد الدعم الشعبي الإسرائيلي خلف نتنياهو كان اضطراب المشهد الإقليمي في أعقاب اغتيال زعيم "حماس" إسماعيل هنية ونائب زعيم "حزب الله" فؤاد شكر. وعلى الرغم من الوعود بالانتقام من إيران وحلفائها، فقد احتشد الإسرائيليون حول الشعور بأن هذه الإجراءات مبررة وأن تل أبيب لا بد أن تقف بحزم ضد التهديد من طهران و"حزب الله".
وقد مكن هذا الشعور نتنياهو من اكتساب المزيد من الشعبية في الأسابيع التي تلت ذلك. ويوضح هذا بجلاء كيف أصبح موقف نتنياهو العدواني ضد إيران و"محور المقاومة" ورقة رابحة قوية في صفه، وحققت معجزات في استطلاعات الرأي. وباعتباره لاعبا سياسيا بارعا واستراتيجيا وماهرا في الحملات الانتخابية، فمن غير المرجح أن يتخلى نتنياهو عن هذا النهج الناجح ما دام يحقق له النتائج.
ولكن ما لم يشعر نتنياهو بأن بإمكانه أن يجني فوائد أكبر إذا جنح للتوصل إلى اتفاق، وهو ما يبدو مستبعدا في الوقت الراهن، فإن صعوده مجددا في استطلاعات الرأي من المرجح أن يشجعه على اتخاذ مخاطرات أكثر جرأة، وهو ما يبقي المراقبين الإقليميين والدوليين يشعرون وكأن الوضع برمته يقف على حافة الهاوية.