الانتخابات الرئاسية الجزائرية... رهان على نسبة المشاركة

عقدة انتخابات 2019

أ.ف.ب
أ.ف.ب
أشخاص يسيرون أمام مقر الحملة الانتخابية للرئيس الجزائري الحالي والمرشح الرئاسي المستقل عبد المجيد تبون بالقرب من ساحة الأمير عبد القادر في وسط الجزائر العاصمة في 5 سبتمبر 2024

الانتخابات الرئاسية الجزائرية... رهان على نسبة المشاركة

لا يترقب خبراء ومحللون سياسيون أي مفاجآت في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها السبت من حيث ترتيب المترشحين، فهناك مؤشرات كثيرة تشير إلى فوز مؤكد للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بولاية جديدة، لكن الذي يشغل بال الكثيرين بمن فيهم السلطة السياسية في البلاد نسبة التصويت وتجاوز عقدة 2019، حيث بلغت 39.93 في المئة وهي أدنى نسبة على الإطلاق في انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد.

وتعد نسبة المشاركة مقياسا مهماً لشرعية النظام السياسي لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الظروف التي ستجرى فيها الانتخابات لا سيما على المستوى الإقليمي.

وكما هو معلوم، جرت انتخابات عام 2019، وسط ظروف متوترة بسبب الاحتجاجات التي اندلعت يوم 22 فبراير/شباط 2019 في معظم المدن الجزائرية، واتساع رقعة المقاطعين وحملات الرفض والقطيعة الانتخابية الحادة في منطقة القبائل ذات الغالبية الأمازيغية، فآنذاك امتنع عن التصويت 62 في المئة من الناخبين الجزائريين.

وستستخدم نسبة التصويت في انتخابات السابع من سبتمبر/أيلول الحالي، كمقياس لمستوى الرضا الشعبي عن المسار السياسي المنتهج وأيضا السياسات المالية الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية على المواطنين.

وتخيم أجواء من التفاؤل على طيف واسع من المحللين السياسيين بشأن ارتفاع معدل التصويت مقارنة بتلك التي سجلت عام 2019، ويردُ الدكتور مخلوف وديع أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة قالمة ذلك إلى الوعي بالمخاطر التي تحدق بالجزائر وتتربص بها، "لا سيما وأن ذكريات المواجهات الأمنية خلال العشرية السوداء التي عاشتها البلاد خلال الفترة الممتدة بين 1990 و2000 ما تزال في الذاكرة".

عامل آخر يستحضره الدكتور سليم حكيم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة غرداية في حديثه لـ"المجلة"، ويتمثل في "الحضور اللافت والمؤطر في القواعد الشعبية فالرئيس المرشح يحظى بتجربة سياسية وبرصيد انتخابي اكتسبهما خلال فترته الرئاسية بين عامي 2019 و2024، فهو يحظى بدعم شعبي وسياسي واسع، أما المرشحان الآخران فهما يستندان على هياكل تنظيمية قوية".

يُنظر  إلى نسبة التصويت في انتخابات السابع من سبتمبر الحالي، كمقياس على مستوى الرضا الشعبي عن المسار السياسي المنتهج وأيضا السياسات المالية الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية على المواطنين

وتقدم للانتخابات ثلاثة مرشحين لقيادة البلاد التي يصل عدد سكانها إلى نحو 45 مليون، وتُعرف اليوم على أنها أكبر مصدر للغاز الطبيعي (الذهب الأزرق) في القارة السمراء،وهم  عبد العالي حساني شريف (57 عاما)، وهو رئيس حزب "حركة مجتمع السلم" (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، ويوسف أوشيش البالغ من العمر (41 عاما)، صحافي سابق وعضو في مجلس الأمة (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) وهو الأمين الوطني لجبهة القوى الاشتراكية (أقدم حزب معارض) في الجزائر، وعقر داره منطقة القبائل، وقد غابت "جبهة القوى الاشتراكية" على الانتخابات الرئاسية منذ عام 1999، كما تقدم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون الذي يحظى بدعم أحزاب الأغلبية البرلمانية المكونة من "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"جبهة المستقبل" و"حركة البناء الوطني" إضافة إلى النواب الأحرار (المستقلين).

وحاول الرئيس تبون خلال الحملة الانتخابية كسب دعم الشباب الذين يمثلون اليوم أكثر من نصف السكان، بوعود سخية تتعلق في مجملها بالقضايا الاجتماعية على أمل تحسين القدرة المعيشية وأيضا التحول من اقتصاد ريعي يعتمد على إنتاج سلعة واحدة تعاني من مرونة كبيرة في تقلبات سعرها إلى اقتصاد إنتاجي يزيد من ثروة البلاد الحقيقية، أما منافساه يوسف أوشيش فقد تعهد بمنح الجزائريين الكثير من الحريات، وأعلن "التزامه بالإفراج عن سجناء الرأي من خلال عفو رئاسي ومراجعة القوانين الجائرة"، أما حساني شريف فقد دافع عن "الحريات التي تم تقليصها إلى حد بعيد في السنوات الأخيرة".

حراك سياسي في منطقة القبائل

ومن العوامل الأخرى التي قد تفك عقدة العزوف في الجزائر، نجاح السلطة والقوى السياسية في إنهاء حالة القطيعة الانتخابية الحادة بين منطقة القبائل مع صناديق الاقتراع، واللافت للنظر أن المنطقة السالفة الذكر شهدت حراكا سياسيا استثنائيا منذ انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية المقررة غدا السبت وهو مشهد لم نألفه سابقا لا سيما ذلك الذي ساد في انتخابات 2019.

أ.ف.ب
السكرتير الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية الجزائرية والمرشح الرئاسي يوسف أوشيش يتحدث خلال حملته الانتخابية في الجزائر العاصمة في 3 سبتمبر 2024

ومن الأسباب الأخرى التي قد ترفع معدل التصويت عودة جبهة القوى الاشتراكية إلى الفضاء الانتخابي بعد غياب طال 25 عاما مرشحة أمينها الوطني الأول يوسف أوشيش، وهي تعول كثيرا على دعم المنطقة التي تضم كتلة ناخبة تقدر بمليوني ناخب في المحافظات الثلاث الكبرى وهي تيزي وزو، وبجاية، والبويرة، وهو ما قد يساهم كثيرا في رفع معدل التصويت إلى أكثر من 38 في المئة التي سجلت في الانتخابات السابقة.

وإلى غاية اليوم لم تتضح الصورة بشأن حصة كل مرشح من الأصوات وطريقة توزيع الكتلة الناخبة وبالمتغيرات التي ستطرأ على المشهد السياسي في المرحلة التي تلي الانتخابات الرئاسية.

حاول الرئيس تبون خلال الحملة الانتخابية كسب دعم الشباب الذين يمثلون اليوم أكثر من نصف السكان، بوعود سخية تتعلق في مجملها بالقضايا الاجتماعية

وتشكل الانتخابات الرئاسية الجزائرية معيارا مهماً للاستقطاب القادم باعتبار أن ما يحدث الآن حملة استباقية للانتخابات المقبلة، خاصة وأن هناك اقتراحا بتنظيم انتخابات برلمانية ومحلية مبكرة قبل عامين من موعدها المقرر، ويقول في هذا المضمار البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة في حديثه لـ"المجلة" إن "منافسي تبون يشتركان في نقطة واحدة وهي أنها أول مشاركة انتخابية في الرئاسيات وبالتالي فمصير كليهما السياسي طبعا يبدأ مما بعد السابع سبتمبر/أيلول حيث سيشتركان في حصاد أصوات الناخبين المنتمين لهما حزبيا أساسا، إضافة إلى أصوات نسبية من خارج الكتلة التقليدية للتصويت أي من الأغلبية الصامتة إن صح التعبير على أمل أن تكون المرتبة الثالثة والأخيرة لتيار المقاطعة الذي يبدو ضعيفا هذه المرة".

font change

مقالات ذات صلة