في تاريخ الأدب العربي، كان الشعراء دائما أبرز المساهمين في حركة النقد، نقد الشعر تحديدا. وبحسب الروايات، كان النقد في مراحل ما قبل الإسلام مقتصرا على آراء الشعراء، التي كانوا يتبادلونها في أسواق الأدب، كسوق عكاظ. هذا إذا لم نُضف إلى طبقة الشعراء طبقة الرواة، الذين اضطلعوا بحفظ الشعر وروايته وإنشاده، ثم راحوا بعد ذلك _ أي في مراحلَ إسلامية لاحقة _ يضعون المؤلفات التي تضم مختاراتهم من الشعر موزّعة على درجات أو طبقات. ومن أبرز هذه المؤلفات "المفضَّليات" للمفضَّل الضبّي، و"الأصمعيات" للأصمعي. و"جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد القرشي.
في مرحلة ازدهار النقد، وبالأخص في القرنين الرابع والخامس الهجريين، ظل الشعراء يلعبون دورا أساسيا في نقد الشعر، وإن كان ذلك على نحو غير مباشر.
فالشعراء في تلك المرحلة لم يكتبوا في النقد، أو بالأحرى لم يضعوا المؤلفات النقدية، وإنما كانت لهم آراؤهم وأحكامهم التي عبّروا عنها بطريقة أو بأخرى.
فالكثيرون منهم عبّروا عن آرائهم في الشعر من خلال قصائدهم، أي من خلال الشعر نفسه. ويأتي في طليعة هؤلاء أبو تمام والبحتري، اللذان بثّا في قصائدهما الكثير من الأبيات التي تنطوي على رؤى في الشعر وحول الشعر. نكتفي هنا بإيراد هذا البيت للبحتري:
والشعرُ لَمْحٌ تكفي إشارتُهُ
وليس بالهذْر طُوّلتْ خُطَبُهْ