قد لا يجد أي باحث في السياسة أو الإقتصاد، في جعبة التاريخ اللبناني المشبع بالمشاكل والتوترات السياسية والعسكرية، أزمة بحجم أزمة الكهرباء في لبنان وفضائحها. معضلة تعود إلى نصف قرن تقريبا، تكبدَّ اللبنانيون بسببها خسائر مالية واقتصادية فادحة، وأطاحت في العقدين الأخيرين، ميزان المدفوعات، وابتلعت احتياط العملات الأجنبية في المصرف المركزي.
توافرت خدمة الكهرباء في لبنان للمرة الأولى في عام 1885، بترخيص من السلطات العثمانية، حيث لم تكن تلك الخدمة تلبي الحاجة المطلوبة ولم يكن في الإمكان الاعتماد عليها. فأنشئ عام 1924 أول معمل لإنتاج الكهرباء بواسطة مياه الأنهر، في منطقة قاديشا، عُرِف بالمعمل الكهرومائي، لإعتماده ضغط السيل المائي من المرتفعات لتشغيل مولدات الانتاج، دون استخدام أي من مشتقات الوقود أو خلافه. وبذلك تقدم لبنان على الغالبية الساحقة من دول المتوسط، في إنتاج الطاقة، والكهرباء النظيفة، قبل عشرات العقود من تبلور ثقافة الطاقة المتجددة، والدعوات الأممية إلى اعتمادها لحماية "أمنا" الأرض.
من الإزدهار الى الإنهيار
بعد "قاديشا"، منحت الدولة القطاع الخاص 12 امتيازا لإنتاج الكهرباء. فأُنشِئت المعامل الكهرومائيّة لتوليد الطاقة، عند معظم مصبات الأنهر والسدود الكبرى، ووصل مجموع إنتاجها إلى 280 ميغاواط، كانت كافية لإنارة المدن الكبرى قبل توسعها العمراني الجغرافي الأخير. وهو ما دفع الدولة إلى إنشاء "شركة كهرباء لبنان" وجعلها مؤسسة عامة، يقودها مجلس إدارة، في إشراف وزارة الطاقة.