في كتابها الصادر حديثا (2024) عن دار "ريفر هيد بوكس" (بنغوين/راندوم هاوس) بعنوان "خريطة لأطلال المستقبل، عن الحدود والانتماء" تفكّك الكاتبة الأميركية من أصل يوناني لورين ماركام الأسطورة التي نسجها الغرب عن نفسه بأنه واحة الديمقراطية والحريات والحياة السعيدة والفرص الاقتصادية، وتقتطف ما قاله جوزيف كامبل كدليل يقودها في رحلتها البحثية. فقد كتب جوزيف كامبل قائلا إن الوظيفة الرئيسة للأساطير هي أن تمدنا دوما برموز تساعد الروح الإنسانية في سفرها نحو المجهول، وتُعد هذه الأساطير نقيض الأوهام والأخيلة البشرية الأخرى التي تحاول أن تشدنا إلى الخلف. بهذا المعنى، تصبح الأساطير حكايات تكوينية تعكس من نحن وتُوجِّهنا في حياتنا، عمليا وأخلاقيا، في المكان الذي نكون فيه.
إلا أن هناك معنى آخر للأسطورة ألا وهو "الاختلاق" و"الخداع"، ذلك أن بعض أنواع الخداع تُصَنَّع إراديا وينسجها، أو يسعى إليها، رجال السلطة بما أن هذا صار أكثر سهولة في عهد الدولة القومية، وخاصة في ظل التطور الإعلامي الهائل. وتنشأ هذه الأساطير، في حالات أخرى، بسبب الخلل في التوازن في النظام البيئي في لحظة معينة أو من خوف من الخسارة أو الفقدان يولّد رغبة بأن يكون شيء ما غير الواقع المعيش صحيحا - كما تقول ماركام - وتمكن قراءة هذه الأنواع من الأساطير بوصفها رثاء قويا، والتي عوضا عن أن "تحمل الروح الإنسانية إلى الأمام"، فإنها تعيدها إلى زمن متخيّل من النقاء القومي والعرقي المولّد للعنصرية، وهذا أحد الأساسات التي انبنت عليها الهوية العرقية البيضاء المعادية والرافضة للاجئين والتي ألهمت تشكيل جماعات مسلحة من سكان المناطق الحدودية المحليين لمنع عبورهم، وفي بعض الأحيان لتصفيتهم كما حدث مثلا مع أقرباء الروائية الأميركية جينين كمنز مؤلفة رواية "التراب الأميركي" الذين قُتلوا ورُموا من فوق أحد الجسور في الولايات المتحدة في سياق من العنف والحقد العنصري وكراهية الآخر التي يغذيها اليمين.
تحاول ماركام في "خريطة لأطلال المستقبل" أن تواجه بشكل مباشر هذه الأساطير كصحافية قبل أي شيء آخر، ولهذا انطلقت في رحلة بحث إلى اليونان حيث كلّفتها مجلة بكتابة تحقيق استقصائي عن حريق افتُعل في مخيم موريا للاجئين في جزيرة ليسبوس وأدى إلى تدميره.