المغرب يستقطب منافسة دولية لتطوير شبكة القطارات السريعة

فرنسا وإسبانيا وبريطانيا والصين وكوريا وغيرها تتنافس للفوز بمشاريع تقدر بـ37 مليار دولار

Shutterstock
Shutterstock
قطار "البراق" الفائق السرعة، في محطة طنجة للسكك الحديد.

المغرب يستقطب منافسة دولية لتطوير شبكة القطارات السريعة

لعب القطار منذ بداية استخدامه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أدوارا تاريخية متميزة في وحدة الأمم وتسريع تنميتها، وربطها بالعالم الخارجي، وتطوير التجارة والمبادلات، وفك العزلة. وتعتبر تجربة قطار "أمتراك" (Amtrak) في الولايات المتحدة الأميركية أحد النماذج المثيرة في تاريخ القطارات في العالم. إذ مكن من ربط ولايات الشمال بولايات الجنوب، والشرق بأقصى الغرب، من نيوهامشير إلى كاليفورنيا، ومن ألاسكا إلى تكساس. مما ساعد في انصهار المجتمع الأميركي وازدهار الاقتصاد، وتوسع الاستثمار والتجارة والسياحة.

على الضفة الشرقية للمحيط الأطلسي، يعمل المغرب حاليا على بناء شبكة جديدة حديثة وسريعة للسكك الحديد، بإضافة 1300 كيلومتر من خطوط القطار الفائق السرعة (Ligne à Grande Vitesse- LGV) بسرعة 350 كيلومترا، وتمديد 2800 كيلومتر إضافية لتسيير القطارات السريعة التقليدية والوطنية، لربط 43 مدينة في الشمال والوسط والجنوب بشبكة من القطارات المتعددة السرعات والاتجاهات، تتواصل مع 15 مطارا دوليا و12 ميناء تجاريا، لأجل تقليص المسافات وزمن السفر ومضاعفة أعداد السياح.

يعتزم المغرب بناء سكة حديد جديدة بين الدار البيضاء ومراكش على مسافة 375 كيلومترا لتسيير قطارات بسرعة 350 كيلومترا في الساعة، قبل انطلاق نهائيات كأس العالم 2030

وتقدر تكلفة الشبكة الجديدة بنحو 37 مليار دولار تمتد على مدى 16 سنة. وقال الملك محمد السادس في ذكرى المسيرة الخضراء "إن لدينا طموحا لبناء خط للسكة الحديد، ينطلق من طنجة (أقصى الشمال) إلى الكويرة (أقصى الجنوب)، لربط المغرب بأفريقيا"، آملا توفير الموارد المالية اللازمة لاستكمال الخط بين مراكش والكويرة.

Shutterstock
قطار "البراق" الفائق السرعة ينطلق من مدينة القنيطرة إلى طنجة، 17 يناير 2018.

ويعمل في المغرب حاليا "قطار البُراق" الفائق السرعة منذ عام 2018، يسير بسرعة 320 كيلومترا، ويربط بين طنجة والدار البيضاء مرورا بالعاصمة الرباط، ويصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي في ساعتين و10 دقائق. ويعتبر "البُراق"، الذي أنجزته شركة "ألستوم" الفرنسية، أكثر القطارات سرعة في مجموع أفريقيا والشرق الأوسط، بحسب مجلة "نيوزويك" الأميركية التي كتبت أن "المغرب هو البلد الوحيد في القارة الأفريقية الذي يوجد فيه خط قطار فائق السرعة، ويعتزم تحديث بنية السكك الحديد لديه بمد خطوط وشبكات جديدة، وهو مشروع طموح، من أجل تسريع التنمية الاقتصادية في مجموع البلاد وتعزيز المبادلات مع باقي القارة والعالم".

عروض بقيمة 37 مليار دولار

أعلن المكتب الوطني للسكة الحديد (ONCF) مناقصة دولية، لبناء سكة جديدة بين الدار البيضاء ومراكش على مسافة 375 كيلومترا لتسيير قطارات بسرعة 350 كيلومترا في الساعة، قبل انطلاق نهائيات كأس العالم 2030. وتم تقسيم شطور المشروع إلى 7 محطات تمتد كل واحدة من 36 إلى 64 كيلومترا، وتشمل مد السكة الحديد، وإنشاء تجهيزات الإشارات والاتصالات، ومراكز للصيانة التقنية للقطارات في مراكش، التي قد تتحول إلى مدينة صناعة القطارات السريعة.

وقال موقع "أفريكا إنتليجنس" إن الشركة الفرنسية "إيجيس رايل" (Egis Rail) فازت بعقد المناقصة الذي أطلقه المكتب الوطني للسكك الحديد، الخاص بالدعم الفني لإدارة مشروع تمديد خط القطار السريع بين القنيطرة ومراكش، في إطار شراكة بين شركة "إيجيس"، و"سيسترا" الفرنسيتين، والمكتب المغربي "نوفك". وبلغت قيمة الصفقة نحو 138 مليون يورو.

يعتبر هذا المشروع الحلقة الثالثة من سلسلة القطارات السريعة، ضمن مجموع خطة تستهدف توفير شبكة سكك حديد بطول 5100 كيلومتر

كما فازت الشركة الصينية لتصميم السكة الحديد (CRDC) بصفقة دراسة مشروع مد خط القطار الفائق السرعة بين مراكش وأغادير جنوبا، على مسافة نحو 400 كيلومتر وسط جبال الأطلس الكبير الوعرة. وقالت المصادر "إن الأمر يتعلق بالدراسات التقنية وليس بانطلاق المشروع". وعبر السفير الصيني في الرباط، لي تشان لين، عن "استعداد بلاده لإنجاز شبكة السكة الحديد للقطار الفائق السرعة بين مراكش وأغادير، وإيجاد صيغ لتوفير التمويل اللازم له". ويعتبر هذا المشروع الحلقة الثالثة من سلسلة القطارات السريعة، ضمن مجموع خطة تستهدف توفير شبكة سكك حديد بطول 5100 كيلومتر. 

وتتنافس شركات عدة من فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا على انتزاع فرص عمل في مشاريع القطارات السريعة في المغرب، التي ستمتد إلى عام 2040 ومن شأنها تحديث البنى التحتية كاملة.

عروض كورية

وعرضت كوريا الجنوبية من خلال زيارة قام بها وزير الأراضي والبنية التحتية والنقل، بارك سانغ وو، إلى الرباط في يونيو/حزيران الماضي، تصدير قطارات للسكة الحديد فائقة السرعة، ونقل الخبرة والتكنولوجيا وتعزيز التعاون بين البلدين في مجال السكة الحديد. وتقترح سيول بيع الرباط 904 عربات لقطارات السكة الحديد بقيمة 3,52 مليار يورو، بحسب وكالة الأنباء في كوريا الجنوبية "ينوهاب". وأطلق المغرب قبل أسابيع عروض شراء 168 قطارا سريعا وفائق السرعة، لاستخدامها على الخطوط الجديدة قيد الإنشاء، أو لتعويض قطارات أخرى على خطوط قديمة، في عملية تحديث شاملة لقطاع النقل السككي.

تتنافس شركات عدة من فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا على انتزاع فرص عمل في مشاريع القطارات السريعة في المغرب، التي ستمتد إلى عام 2040

وتشتد المنافسة على هذه الصفقة البالغة قيمتها 1,6 مليار دولار بين خمس شركات عالمية أوروبية وآسيوية، تحديدا شركة "تالغو" (Talgo) الإسبانية، وشركة "ألستوم" (ALSTOM) الفرنسية، وشركة "هيونداي روتيم" (Hyundai Rotem) الكورية، وشركة "سي. إيه. أف." (CAF) الإسبانية، وشركة "سي. آر. سي. سي." (CRCC) الصينية.

وكان المكتب المغربي للسكة الحديد اشترط على كل شركة قد تفوز بصفقة مشروع القطار الفائق السرعة، تصنيعه جزئيا أو كليا في المغرب، وإنشاء مصانع خاصة لهذا الغرض. وبحسب المصادر "وافقت كوريا الجنوبية على الشرط المغربي في مقابل التزود بقطاراتها". وقدمت مجموعة "هيونداي" عرض بناء مصانع قطارات حديثة في المغرب، قد يوجه لاحقا الى دول أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا.

لوبيات فرنسية

وتخشى فرنسا، صاحبة أول تجربة مع المغرب في مجال القطارات السريعة، أن تفقد مواقعها ويُسحب من تحتها البساط لفائدة منافسين أقوياء من آسيا، أو حتى من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. وزار الرباط على التوالي وزير التجارة الخارجية الفرنسي فرانك ريستر، تبعه وزير الاقتصاد والمال برونو لومير. وتم التطرق إلى حظوظ الشركات الفرنسية في الفوز بحزمة عطاء مشاريع السكة الحديد المغربية، التي تعتبرها باريس حصنا منيعا، لكنها لم تعد متأكدة من ذلك بسبب قوة المنافسة.

لا تخفي مدريد رغبتها في إدماج مشروع النفق تحت البحر بين إسبانيا والمغرب، ضمن المشاريع الكبرى لتنمية النقل بالسكك الحديد بين القارتين الأوروبية والأفريقية بهدف إبعاد منافسين آخرين

وكانت إسبانيا قد أرسلت وزير النقل أوسكار بوينتي سانتياغو، إلى المغرب، في مارس/آذار الماضي، الذي قال "إن بلاده مستعدة للمساهمة في تطوير شبكة النقل بالسكك الحديد في المغرب، وتقاسم تجربتها مع المملكة في هذا المجال"، خلال تصريحات لوسائل إعلام إسبانية. واعتبر أن بلاده تحظى "بأولوية وأهمية بالغة". ولا تخفي مدريد رغبتها في "إدماج مشروع النفق السككي تحت البحر بين إسبانيا والمغرب، ضمن المشاريع الكبرى لتنمية النقل بين القارتين الأوروبية والأفريقية". والهدف هو إبعاد منافسين آخرين. وتكاد المنافسة بين فرنسا وإسبانيا حول مشاريع السكك المغربية تكون أشرس من تلك مع الصين، لأسباب لها علاقة بالبعد القاري لهذه المشاريع الضخمة.

ونشرت "نيوزويك" تحقيقا عن البنى التحتية في المغرب مطلع أغسطس/آب الماضي قالت فيه "إن مشاريع خطوط السكك الحديد الفائقة السرعة ستخلق فرصا تجارية هائلة وحركة نقل سريعة للبضائع والمسافرين، ستعزز مكانة المغرب كقطب محوري بين أوروبا وأفريقيا". وسيكون خط أغادير الداخلة عبر العيون على مسافة 1168 كيلومترا على طول المحيط الأطلسي وسط الصحراء، الجزء الثالث من هذه المشاريع الطموحة، لتحويل خطوط السكة الحديد إلى ورقة جيوستراتيجية. 

ورقة استراتجية

 قد تكون تكلفة مشاريع السكة الحديد مرتفعة في بلد متوسط الموارد، لكن أهداف المشروع تبدو أكثر طموحا. فمن جهة، يريد المغرب تقديم نفسه بلدا متقدما في البنى التحتية، بمواصفات عالمية خلال احتضان كأس العالم 2030، لجلب مزيد من السياح والمستثمرين. ومن جهة أخرى، يسعى إلى كسب تحدي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمناطقية، عبر تمديد سكك القطار السريع إلى أقصى الجنوب، وصولا إلى شبه جزيرة الداخلة، وربطه بالميناء الأطلسي ليصبحا معا مشروعا قاريا بأهداف دولية.

font change

مقالات ذات صلة