فرضت الجغرافيا السياسية واقعا مريرا على العراق، ومنذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي، كان التحدي الأهم الذي يواجه الحكومات هو كيف تتعامل مع الجيران؟ وكان نوري السعيد (قتل 1958) يدرك أن عراقا قويا يحتاج إلى الدخول في تحالفات، ولذلك كان له دور محوري في تأسيس "حلف بغداد" بالمشاركة مع بريطانيا وإيران وتركيا وباكستان. لكن الرهان على هذا الحلف في تقوية العراق خارجيا، لم ينجح في تقوية العراق داخليا. ولم يحم النظام الملكي في العراق من انقلاب عبدالكريم قاسم 1958.
لم يتقبل صدام حسين بعد وصوله إلى سدة الحكم أواخر سبعينات القرن الماضي، أساليب السياسة في التعامل مع الجغرافيا، وأراد أن يتمرد على المنطقة وأن يفرض قوة العراق على جيرانه بالسلاح والنار، وبدأ بحرب مع إيران صنفت بأنها أطول حرب في القرن العشرين. ولم يكتفِ بها، وما إن انتهت سنوات الحرب الثمانية، بدأ يعيش وهمَ فائض القوة، ليبدأ بغزو الكويت، ويبدو أن فكرته من الغزو أنه بداية للضغط على دول الخليج، وربما كان يتوهم على غرار نابليون وهتلر بأنه يمكن أن يكون "إمبراطور المنطقة".