ينطلق كتاب الناقدة الفرنسية تيفين ساموايو Tiphaine Samoyault "الترجمة والعنف" Traduction etviolenceمن ملاحظة كون الترجمة تعتبر عادة عملية إيجابية للغاية بما تضمنه من انفتاح على الآخر ومد الجسور معه، وكونها تتلقى تشجيع أعلى الهيئات السياسية (المفوضية الأوروبية، منظمة "يونسكو")، وكذا كونها تحتفل بالتنوع، وتسهل التواصل بين الأشخاص من مختلف أنحاء العالم، وتسمح بفهم متبادل في احترام كل طرف للطرف الآخر. في مواجهة هذا الوجه الإيجابي، وهذا التفاؤل الكبير، يركز كتاب ساموايو على تفكيك الافتراض السلمي والإيجابي للترجمة من خلال تذكيرنا بآليات الهيمنة التي تتضمنها: فحيث من المفترض أن توصل وتجمع وتبني، فإن الترجمة قد تكون على الأرجح أداة تفكك وتفرقة وتقويض.
من خلال دراسة مفصلة للعديد من الحالات التاريخية، تسعى الباحثة إلى تسليط الضوء على أشكال العنف التي ينتجها عمل المترجم أو يصاحبها، فكأنها تسعى إلى الكشف من جديد عن الإمكانات السلبية الفعالة للترجمة.
حيّز للصراع
لا تكمن السلبية هنا فقط في الخسارة المفترضة التي تكون نتيجة الانتقال من لغة إلى أخرى، أي ما دأبنا على وصفه بـ"خيانة الأصل". "فباعتبار الترجمة فضاء لقيام العلاقات، فإنها أيضا حيّز للصراع الذي يجب تنظيمه للحفاظ على شكل من أشكال التعددية". لقد سبق للتفكير في الترجمة أن عرف هذا الطابع السلبي، وذلك تحت جوانب عديدة: أولا في العمليات التاريخية، حيث لعبت اللغة غالبا دورا رئيسا في منطق الهيمنة، وفي العلاقات التي تعتقد أنها تؤسسها، والتي غالبا ما تنحصر في سوء التفاهم، ولكن أيضا في فعل الترجمة نفسه، حيث لا يعود بالإمكان إنكار إمكانات الإقصاء الدلالي، "غير أن إعادة إحياء الوجه السلبي يعني تحويل الصراعات إلى ترجمة للقوى الحيوية، قوى السهر، قوى اليقظة، وقوى سوء الفهم التي تؤدي إلى عدم اعتبار أي شيء مكتسبا بشكل نهائي"، كما تقول.