بعد أيام من استقالته، أعلن وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، تراجعه عن الاستقالة وعودته إلى العمل في منصبه نائبا لرئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية.
ظريف الذي شغل منصب وزير الخارجية 8 سنوات في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، كان له دور مفصلي في التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، ما جعل عودته إلى الواجهة في منصب مستحدث، تُقرأ على أنها من ضمن الاستعدادات الإيرانية لفتح باب الحوار والمفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية. فالمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي فتح باب المفاوضات مع "العدو"، وقال خلال حديثه أثناء أول اجتماع لحكومة الرئيس بزشكيان الجديدة: "لا ضرر من التعامل مع العدو، ولكن لا تثقوا به"، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبرها إيران العدو. بزشكيان نفسه كان قد أعلن خلال حملته الانتخابية عن مشروعه لخفض التوتر مع الغرب.
وبدوره أعلن وزير الخارجية الجديد عباس عراقجي عن نية الحكومة استئناف المفاوضات مع واشنطن، وأن هدف وزارته هو إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 ورفع العقوبات.
لا شيء جوهريا سيحدث قبل الانتخابات الأميركية
رجوع ظريف عن استقالته وكلام كل من خامنئي وبزشكيان وعراقجي إشارة واضحة إلى أن طهران مستعدة أن تنتقل من جولات المفاوضات "السرية" والبطيئة في عُمان وقطر وجنيف إلى مفاوضات أكثر جدية وشمولية. وإن كان من المتوقع أن لا شيء جوهريا سيحدث قبل الانتخابات الأميركية، وأن إيران تبدي استعدادها لمرحلة ما بعد الانتخابات الأميركية المقبلة، وإن كانت بالطبع تُفضل وتُرجح فوز الديمقراطية كامالا هاريس على منافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب الذي ألغى الاتفاق النووي.
ولكن المفارقة، أنه وبينما تبدي طهران على لسان مسؤوليها هذه المرونة والعقلانية تجاه "العدو" الأميركي، فإنها لا تزال تحاول الاستثمار من خلال ميليشياتها في زعزعة الاستقرار بالمنطقة، وليست تغريدة خامنئي عن الأشكال المختلفة للحرب المستمرة بين "اليزيديين" نسبة إلى يزيد بن معاوية، و"الحسينيين" نسبة إلى الحسين بن علي، إلا مثالا صارخا لا على استخدام الدين في السياسة فحسب، بل على تأجيج فتنة مذهبية في المنطقة، تكون حاضرة إذا ما أرادت إيران تحويل هذه الحرب لشكل آخر، كما ذكر خامنئي في تغريدته.
التحريض المستمر على الدول العربية والأردن تحديدا لم يتوقف، وهناك محاولة لإعطاء حكومة نتنياهو فرصة لينقض على الضفة الغربية كما فعل في غزة، التي حتى اللحظة لم يتم التوصل فيها إلى أي اتفاق وقف إطلاق نار رغم الجهود الدولية والعربية المبذولة.
طهران بحاجة للتفاوض مع الغرب والتعامل بعقلانية مع الإدارة الأميركية المقبلة، ولكن طهران نفسها وهي تدعو للتفاوض مع "العدو"، لا تتوقف عن دعم ميليشيات وزعزعة استقرار دول المنطقة
طهران بحاجة للتفاوض مع الغرب والتعامل بعقلانية مع الإدارة الأميركية المقبلة، ولكن طهران نفسها وهي تدعو للتفاوض مع "العدو"، لا تتوقف عن دعم ميليشيات وزعزعة استقرار دول المنطقة، وقد سبق ودفعت المنطقة وتحديدا سوريا ولبنان والعراق ثمنا كبيرا يوم كان أوباما سيد البيت الأبيض، واليوم- بحال وصول هاريس- لن يكون الأمر أقل سوءا، ولن تكون هذه الميليشيات أمرا واقعا فحسب، بل أمر بإمكان واشنطن أن تغض النظر عنه.
إذن تتغير سياسة طهران تجاه الغرب، ويبقى لهذا "الشرق" أن يدفع ثمن ما زرعته الجمهورية الإسلامية من ميليشيات في جمهورياته، أما غزة، فلم تكن سوى "وسيلة" يجب أن يُحاكم من سمح باستخدامها ورقة تفاوض بيد المرشد بتهمة الخيانة العظمى.
ملاحظة: يُذكر أن منصة "X" التي يستخدمها المسؤولون الإيرانيون للإعلان عن مواقفهم، محظورة في إيران.