مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية (2)

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية (2)

نتعرّف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطلّ كلّ أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: مسلمو أوروبا- تحديات الدين والهوية والاندماج

الكاتب: محمد نفيسة

الناشر: دار المحيط – الإمارات العربية المتحدة

يناقش الكتاب واحدة من أكثر القضايا الراهنة تداولا وحيوية وتعقيدا، وهي قضية وجود المسلمين في أوروبا، وهل ثمة تعارض حقيقي بين ما يسمى القيم الأوروبية وقيم الإسلام. وبخلاف الكثير من الكتب التي عالجت الموضوع ذاته، وانطلقت من مفاهيم حقوقية وقانونية وسياسية لمقاربة العلاقة بين المسلمين الذين يعيشون، لأسباب مختلفة، في بلدان أوروبية، وبين المجتمعات المحلية، ينطلق هذا الكتاب من تأثير الدين والفكر الديني على صوغ تلك العلاقة.

هناك مفاهيم فقهية كانت طارئة في تاريخ الإسلام والمسلمين، أما الأصل الذي يشدد عليه الدين الإسلامي فهو السلام والمحبة

وفي هذا السبيل يفند الكاتب الكثير من المفاهيم الإسلامية ويناقش مدى ملاءمتها للمجتمعات المحلية الأوروبية، بل لهذا العصر، وأثرها في نظرة المسلم إلى نفسه ونظرته إلى الأوروبي من جانب، ومن جانب آخر أثرها في نظرة الأوروبي إلى المسلم، مصححا في الوقت ذاته الكثير من وجهات النظر التي تعتبر أن الخطايا كلها ناجمة عن الإسلام كدين وعن المسلمين كمعتنقين له، نافيا فكرة أن الإسلام غير قادر على الاندماج ضمن سياق منظومة الأفكار الحقوقية والقانونية في أوروبا.

وعلى سبيل توضيح فكرته أكثر، يناقش الكاتب السوري محمد نفيسة مفاهيم فقهية مثل مفهوم "الولاء والبراء" ومفهوم "دار الحرب ودار السلام" وغيرهما، ليصل إلى أن هناك مفاهيم فقهية كانت طارئة في تاريخ الإسلام والمسلمين، ومرتبطة بقضايا معينة أتاحت ظهورها في تلك المراحل، أما الأصل الذي يشدد عليه الدين الإسلامي فهو السلام والمحبة.

يناقش الكاتب الحاصل على ماجستير في الفكر الإسلامي المعاصر، قضية المرأة والحجاب، ويرى أن ما يتعلق بلباسها خاضع حصرا لإرادة المرأة، وذلك بعد مناقشة آراء عديدة في هذا الشأن تتوزع بين أنها آراء فقهية، وبين أنها مسألة شخصية سلوكية، وبراغماتية أيضا. كذلك الأمر في العلاقة بين الجنسين والمثلية ونحو ذلك، ويعلق هذا الأمر -الحقيقة في جميع الأمور التي تشكل اختلافا ثقافيا- على نوع من الحرية الشخصية واحترام الاختلاف الثقافي والسلوكي.

 قد تكون القضايا التي طرحها الكتاب، بمقدار ما هي فكرية، معرفية، هي أيضا شأن يومي محلّ نقاش في أوروبا سواء من جهة الأوروبيين أو من جهة مسلمي أوروبا.

الكتاب: القبيلة التي تضحكُ ليلا (رواية)

الكاتب: سالم الصقور

الناشر: دار مسكيلياني – تونس

أن يكون زمن هذه الرواية، للكاتب السعودي سالم الصقور، هو ليلة واحدة فقط، فذلك يجعل منها، بصورة مسبقة، رواية صعبة التأليف، إذ كيف سيبني الكاتب أحداثا جمة، تاريخيا واجتماعيا وشخصيا ونفسيا، في زمن مضغوط يستمر لساعات فقط؟ لكن الصقور لم يتمكن من ترتيب وتنظيم ذاكرته المفعمة بالأحداث والتناقضات والمشاهد القاسية والمربكة فحسب، إنما فعل ذلك على نحو مدهش.

لغة جارحة وكثيفة وضاغطة وشعرية، جعلت الرواية قادرة على حفر ذلك التأثير القوي في القارئ، كأنها تُكتب بسكين

النقطة المركزية التي تنطلق الرواية منها وتدور حولها تتمثل في انتظار الأب علي بن مانع خمس عشرة سنة لعله يحظى بطفل في قبيلة ترى في عدم الإنجاب نقصا في الفحولة. ويتكلل ذلك الانتظار المهيب بأن تحمل زوجته أروى بنت صالح، وتنجب طفلة، لكن محاولات الأب إنقاذ طفلته التي دامت لساعات تفشل. فالحياة وفق الرواية "تمنحنا قبلة وصفعة معا، وكل ما علينا أن نحتفل بالقبلة مع الجميع، ونعالج الكدمات وحدنا".

زمن الرواية هو تلك الساعات ما بين البيت والمستشفى، مع ما تخلله من اتصالات تطمئن على صحة المولودة، وفي قلب هذه الكثافة الضاغطة، تعود ذاكرة الأب لتستحضر مشاهد وقصصا وتواريخ وصراعات تشكل في تشابكها ما يشبه الموت البطيء في انتظار ما لا يتحقق: "في كل شهرٍ قمريّ يموت واحد من أبنائي، فينتصب سرادق العزاء في صدري، ولا يشاركني أحد تلك المآتم السرية".

لا تتسامح القبيلة مع من لا يساهم باستمرارها كنسل "نقي"، ولم تكفّ عن سؤاله عن سبب عدم الإنجاب، وعن تحريضه ليتزوج بامرأة أخرى، فالقبيلة "بنك اجتماعي تموّل أفرادَها بما يفيض عن حاجتهم، لتأخذ -في المقابل- كل ما يحتاجون إليه من حرية واستقلالية"، مع ما يصاحب ذلك من آلام عليه أن يعيشها وحده، مثل من "ينزل الجبل بساق واحدة".

أما عن تسمية الرواية بـ"القبيلة التي تضحك ليلا"، فمرده إلى حكاية من أبيه حكاها ترميزا لتبيان أهمية أن ينجب طفلا، ذلك أن قبيلتين تصارعتا طويلا، وخلال توقف القتال ليلا، كانت إحدى القبيلتين تسمع أصوات ضحكات مصدرها القبيلة الأخرى، مما يثير الشكوك والتساؤلات لديها، وهكذا في كل ليلة كانت تسمع أصوات الضحكات تلك، لكن بعد انتهاء الحرب، تبيّن أن الضحك هو ضحك أطفال القبيلة الأخرى، فيما أن تلك القبيلة لا أطفال لديها، لا تضحك.

رواية تعرّف القارئ، أيضا، الى نجران، المدينة السعودية، وعاداتها وتقاليدها وثقافتها وطبيعتها، ومن هنا هي رواية مكان كذلك.

لغة جارحة وكثيفة وضاغطة وشعرية، جعلت الرواية قادرة على حفر ذلك التأثير القوي في القارئ، كأنها تُكتب بسكين.

الكتاب: نوادر الشربيني

الكاتب: يوسف بن محمد بن عبد الجواد بن خضر الشربيني

حققه وقدم له وعلق عليه: إبراهيم العاقل

الناشر: منشورات الجمل – العراق

بغية التعريف الممنهج بالأدب العربي الوسيط، وتحقيق نصوصه غير المنشورة، أنجز هذا الكتاب الكبير للكاتب المصري يوسف الشربيني بعنوان "نوادر الشربيني"، كما يقول إبراهيم العاقل، محقق الكتاب.

يعطينا الكتاب لمحة دقيقة عن مصر العصر الوسيط الذي عاش فيه الشربيني، عبر الكثير من النوادر والطرائف واللطائف

يذكر بداية أن ليوسف الشربيني، الذي عاش في القرن الحادي عشر الهجري – السابع عشر الميلادي، كتابا واحدا معروفا هو: "هزّ القحوف بشرح قصيد أبي شادوف"، به يُعَرّف، وإليه يُنسَب. فهو "كاتب مغمور" كما قال عنه أحمد أمين، وقد عزا سبب ذلك إلى أن تآليفه "شعبية، وليست تآليف أرستقراطية، فلم أرَ من ترجم له احتقارا لشأنه، وازدراء بتآليفه". ويقول علي العماري إنه لم يقرأ "عن مؤلف هذا الكتاب (يقصد هزّ القحوف...) قليلا ولا كثيرا، فليس لدي من المراجع ما يعينني على ذلك". وقد ذكر محقق الكتاب بشيء من الإسهاب عدمَ معرفة الكتّاب المتخصصين بتحقيق التراث العربي عامة، والمصري خاصة، بهذا "الأديب الظريف" كما أطلق عليه محمد خير رمضان يوسف.

أما أسلوب الشربيني فيصفه خير الدين الزركلي، من الكتّاب المتأخّرين، بقوله: "الشربيني المصري فكاهي بالعامية، في نقد عادات الريف المصري في عصره... وله قصيدة وعظية خالية حروفها من النقط، وله شرح لها بالحروف المهملة أيضا". وهذا محمد بن شنب يصفه قائلا: "الشربيني من رجال الأخلاق الذين ينهجون نهجا خاصا بهم، واسع الثقافة، ويصف بملاحظاته الدقيقة العادات، وبخاصة القبيح منها، بل يجاوز ذلك إلى رذائل معاصريه". وقد جعله أحمد أمين رائد الأدب الهزلي الحديث، "فهو في هزله ولعبه بالنحو والاشتقاق، واستطراده الغريب وخياله الماجن البعيد من أوائل الكتاب الهزليين في الأدب المصري الحديث".

وهكذا نتعرف إلى كاتب ضائع، عبر كتاب جديد له غاية في اللطف والطرافة، بالإضافة إلى أنه يعطينا لمحة دقيقة عن مصر العصر الوسيط، العصر الذي عاش فيه الشربيني، عبر الكثير من النوادر والطرائف واللطائف وكذلك المقامات والرسائل. 

الكتاب: الرأسمالية والتقدم الاجتماعي

الكاتب: أنطون براندر

ترجمة: جان جبور

الناشر: مؤسسة الفكر العربي – لبنان

هذا ليس كتابا في تاريخ الرأسمالية، ولا النضالات التي شهدها العالم ضدها خلال القرن العشرين بصورة خاصة، ولا المواقف المعرفية أو السياسية أو الاقتصادية التي نظّرت لها وروّجت لأهميتها وبشرت بها، بل كتاب يبدأ بعد ذلك كله.

 الخلل البيئي الذي يحيق بالكوكب ناتج من ذلك التطور في المركز الغربي، وهو سبب رئيس في انحدار العالم

التقدم الاجتماعي والوفرة الاقتصادية اللذان شهدتهما أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية كانا بسبب الرأسمالية ذاتها، وبسبب قدرة الأوروبيين على ابتداع توافقات ومواءمات معها، كما يرى الكاتب. إلا أن ذلك لم يستمر طويلا، وها هو الغرب يعيش أزمات متلاحقة أثرت على قوته، بل على قوة المواطن الغربي الشرائية، وحدث نوع من التفاوت في التطور والنمو، مما قد يفضي إلى تراجع، قد ينذر بأن يكون بلا نهاية، لمسيرة التقدم الاجتماعي في الغرب. فصعود الليبيرالية، وهمينتها انطلاقا من ثمانينات القرن الماضي، غيّرا بصورة واسعة مطارح الإنتاج، وظهرت مجتمعات أخرى في آسيا، لا سيما الصين، تنتج بصورة جعلتها تنافس المركز الغربي، بل تخلخله، إن كان في الصناعة أو في التجارة على حد سواء، ولم يتمكن هذا الأخير من أن يفعل شيئا للسيطرة على الإنتاجيات الجديدة القادمة من خارجه.   

يرى الكاتب أنطون براندر، وهو باحث وخبير اقتصادي فرنسي، أن الخروج من هذه الأزمات المتلاحقة، لا ينبغي أن يكون في رفض الرأسمالية واعتبارها السبب الكلي في شرور العالم، فهي مثلما ساهمت في التقدم الاجتماعي للغرب في الماضي، قادرة على استعادة المبادرة من جديد، لكن بشرط أن يتم التركيز على تحقيق العدالة وتصحيح السياسات العامة لتكون قادرة على تحقيق تنمية مستدامة.

إن الخلل البيئي الذي يحيق بالكوكب ناتج من ذلك التطور في المركز الغربي، وهو سبب رئيس في انحدار العالم إلى ما نراه اليوم ونعيشه من أزمات لا تنتهي، إن على مستوى الإنتاج الصناعي، أو التجارة، أو على مستوى تفاوت التقدم الاجتماعي. 

الكتاب: مذكرات مجدي يعقوب – جرّاح خارج السرب

الكاتب: د. مجدي يعقوب

إعداد: سيمون بيرسن – فيونا جورمان

المترجم: أحمد شافعي

الناشر: الدار المصرية اللبنانية – مصر

أن يتعرف الناس الى سيرة أحد أكثر الأطباء شهرة وإنسانية في العالم بأسره، وليس في مصر أو العالم العربي فحسب، فإن ذلك يشكل، بكثير من الثقة، إضافة ملهِمة. الطبيب الذي غادر مصر ليعمل في بريطانيا تمكّن من تحويل مركز بسيط لأمراض التنفس هناك، ليجعله أكثر المراكز شهرة وثقة في جراحة القلب.

سيرة يعقوب ملهِمة لرجل أعاد الطب إلى غايته الأولى، وهي شفاء الناس ومساعدتهم

ورد في مقدمة الكتاب أن "الدكتور مجدي يعقوب ليس مجرد طبيب ماهر، إنما هو عبقري، مغامر، ملهِم، عالمٌ صاحب ريادة في الطب الحيوي... حياته مكرسة لعمله ولم يزل يبحث عن الحقيقة من خلال العلم. تولدت منه أفكار ألهمت أجيالا من الأطباء، وحفّزت على البحث، وأفضت إلى فتوحٍ طبية مهمة، كما أنه أنقذ الكثير من الأنفس... طبيب يُعلي من قيمة المجتمع، ويؤمن بالنضال من أجل عالم أكثر إنصافا".

سيرة غنية للغاية، تكشف عن الوجوه المتعددة للجراح المصري الشهير، خرجت إلى النور بعد ثلاث سنوات من حوارات مطولة سجّلها معه الصحافيان البريطانيان: سيمون بيرسن وفيونا جورمان، على مدار خمس وعشرين ساعة، وكان من حصيلة تفريغ التسجيل، وتنظيمه، وتبويبه هذا الكتاب الضخم، الذي دققه الدكتور يعقوب بنفسه، ثم نشرته، بالإنكليزية، الجامعة الأميركية في القاهرة، وترجمه أحمد شافعي، الذي يقول: "اعتبرت الكتاب فرصة سنحت أمامي، لأقول شكرا لمجدي يعقوب. وأظن أن مائة مليون مصري يريدون أن يوجهوا شكرا مماثلا. هذا رجل كان بوسعه أن ينعم بتقاعد مريح في أي مكان في العالم، وكان بوسعه أن يكمل حياته المهنية محققا ثروات يلهث وراءها غيره، لكنه قرر أن يُكمل هذه المسيرة، هنا، فى مصر، وأن يهبنا سنوات من عمره، ولذلك أنا ممتن لهذا الكتاب الذي جعلني أعيش مع مجدي يعقوب شهورا من الجمال".

الدكتور يعقوب هو، إضافة إلى ذلك كله، صاحب أعمال خيرية وإنسانية على مستوى مصر والعالم، وسيرته ملهِمة لرجل أعاد الطب إلى غايته الأولى، وهي شفاء الناس ومساعدتهم.

font change

مقالات ذات صلة