حتى العقد الماضي، كان عدد المرشحين الرسميين للانتخابات الرئاسية في الجزائر يتراوح بين ستة أو سبعة مرشحين موزعين على مختلف التيارات السياسية: الوطني والإسلامي والديمقراطي واليساري. لكن يبدو أن المشهد الانتخابي الحالي عرف انكماشا لافتا، إذ تقلص عدد المرشحين في القائمة النهائية للانتخابات الرئاسية المقررة في 7 سبتمبر/أيلول المقبل إلى ثلاثة.
وفي إطار تحليل هذا الانكماش وقبل المرور إلى الإجابة على التساؤلات المطروحة، ثمة ملاحظة ينبغي تسليط الضوء عليها وهي الفرز السياسي الواضح الذي أفضت إليه القائمة النهائية للانتخابات الرئاسية والتي تضم ثلاث مرجعيات أيديولوجية. فكل مرشح من الثلاثة يمثل تيارا سياسيا منفصلا: يوسف أوشيش (43 عاما) عن "جبهة القوى الاشتراكية" (أقدم أحزاب المعارضة الجزائرية المحسوب على التيار الليبرالي) وعبد المجيد تبون (الرئيس الحالي) مرشحا مستقلا، وحساني شريف عبد العالي (62 عاما) عن "حركة مجتمع السلم" ذات التوجه الإسلامي.
عودة الأقطاب الثلاثة
وصول ثلاثة مرشحين من قوى سياسية متباينة المشارب إلى سباق الرئاسة الجزائري المرتقب الشهر المقبل، يُعيدنا حسب الدكتور لطفي دهينة الأستاذ والباحث في العلوم السياسية إلى بداية التسعينات. ويقول في حديثه لـ"المجلة" إن "هذه التيارات الأساسية هي نفسها التي أفرزها الانفتاح السياسي في تلك الحقبة بعد مخاض عسير وتجربة طويلة دامت أكثر من ثلاثين سنة كان فيها (عشرية حمراء)، وقد شهدت هذه الفترة حالة استقطاب كبير بين التيارات الثلاثة وحتى انخراط منظمات المجتمع المدني في هذا السجال. وأعقبتها عشريتان كاملتان من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة التي عرفت تشتت أحزاب وتبعثرها وتماهي أخرى مع السلطة وخروج أحزاب من رحم الأحزاب الموجودة في محاولة لإيجاد بدائل عن هذه التيارات أو ممازجة للأفكار المختلفة وخلق تيارات جديدة".
وتُؤكد التطورات الأخيرة في المشهد السياسي الجزائري بحسب دهينة "العودة إلى التيارات الثلاثة الأساسية والتي أثبتت تجذرها في عمق الساحة السياسية الجزائرية وتنبثق من توجهات المجتمع دون مساحيق تجميل، مع وجود تباين في قوة كل تيار أو توزيعه الجغرافي". وباختصار، يجزم المحلل السياسي في قراءته بأن "المشهد اليوم أقرب إلى بداية التسعينات أي مع الانفتاح السياسي، مع فارق أن تلك الفترة عرفت زخما سياسيا كبيرا وبروز قيادات وازنة لمختلف الأحزاب وقوة في الطرح وفي الأداء السياسي والمشاركة السياسية من المواطن. أما اليوم فنلمس حالة من الفتور والتيئييس وعدم الإيمان بجدوى العملية السياسية برمتها وحتى القيادات التي تتصدر المشهد السياسي ليست بنفس قوة وأداء القيادات السابقة".
وأبانت أول انتخابات تعددية جرت في البلاد مطلع تسعينات القرن الماضي، عن هيمنة الإسلاميين والديمقراطيين قبل أن يُلغى المسار الانتخابي وتدخل البلاد في حرب أهلية راح ضحيتها الآلاف من الجزائريين.
لكن بعد انقضاء هذه الحقبة، تشعبت الساحة السياسية وخرجت أحزاب جديدة من رحم التيارات الثلاثة على غرار "التجمع الوطني الديمقراطي" (الحزب الثاني للسلطة في البلاد)، وخرج من رحم التيار الإسلامي أحزاب عديدة وهي: "حركة الإصلاح الوطني" و"جبهة العدالة والتنمية" و"حركة البناء الوطني" و"جبهة التغيير" و"حركة البناء الوطني اليوم".
الوضع ذاته ينطبق على العلمانيين. إذ شق كريم طابو عصا الطاعة داخل "جبهة القوى الاشتراكية" (أعرق حزب معارض بالجزائر) وأسس "حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي"، لكن دون أن يحصل على اعتماد للنشاط، إضافة إلى بروز أحزاب أخرى على غرار "حزب العمال" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" وعشرات الأحزاب التي توصف بـ"المجهرية".
إفرازات "حراك 22 فبراير"
ومن زاوية نظر عبد السلام فيلالي، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة عنابة فإن "برامج المرشحين تحيل إلى المجال السياسي الذي تشكل في جزائر التعددية السياسية بأبعاده الثلاثة: الوطني، والإسلامي، والديمقراطي، لكن الكفة ترجح نحو الرئيس تبون مقارنة بمنافسيه لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار دعم وتأييد فئات المجتمع والمساندة من قبل أحزاب سياسية وازنة".