الركود الاقتصادي العالمي مستبعد في الوقت الراهن

توقعات بزيادة إيرادات الشركات الأميركية بأكثر من 10% سنوياً

أ.ب.
أ.ب.
واجهة مبنى بورصة نيويورك، 13 أغسطس 2024.

الركود الاقتصادي العالمي مستبعد في الوقت الراهن

أثار أخيرا تقرير الوظائف الضعيف في أميركا مخاوف من اتجاه أكبر اقتصاد في العالم نحو الركود. فهوت أسواق الأسهم الأميركية، وانتشر الخوف إلى بلدان أخرى. وانخفض مؤشر "توبكس" الياباني بمقدار 15 في المئة عن أعلى مستوى سجله أخيرا؛ كما انخفض المؤشر الرئيس لألمانيا بمقدار 7 في المئة. فعندما تعطس أميركا، يصاب العالم بالزكام.

لكن التدقيق في أحدث البيانات يشير إلى أن الاقتصاد العالمي غير معرّض للخطر، وأن الذعر الذي أصاب الأسواق قد يكون في غير محله. لنبدأ بسوق العمل. فقد ارتفع معدل البطالة في أميركا من مستوى منخفض بلغ 3.4 في المئة في أبريل/نيسان 2023 إلى 4.3 في المئة في يوليو/تموز. ويشير التاريخ في الواقع إلى أن زيادة بهذا الحجم يصاحبها انخفاض في الناتج الاقتصادي، وذلك يؤدي بدوره إلى مزيد من الارتفاع في البطالة والإفلاس وانخفاض الدخل.

ربما تكون هذه الدورة مختلفة، كما تشير أسواق العمل في أنحاء أخرى من العالم الغني. فقد شهدت البطالة منذ أشهر عدة ارتفاعا بطيئا في كل مكان تقريبا. وارتفع معدل البطالة في ألمانيا من 2.9 في المئة، وهو أدنى مستوى بلغه أخيرا إلى 3.4 في المئة اليوم.

كان أصحاب العمل، الذين يعانون من نقص العمالة والارتفاع الشديد في الطلب، يقبلون كل من يمكنهم توظيفه. لكنهم يستطيعون الآن أن يكونوا أكثر انتقائية

في المملكة المتحدة، ارتفع معدل البطالة من 3.6 في المئة إلى 4.4 في المئة، في حين ارتفع في أوستراليا من 3.5 في المئة إلى 4.1 في المئة. ويرجع بعض هذا الارتفاع إلى سبب مشترك، أي توسع سوق العمل الضيق في نهاية جائحة "كوفيد-"19. فقبل وقت غير بعيد، كان أصحاب العمل، الذين يعانون من نقص العمالة والارتفاع الشديد في الطلب، يقبلون كل من يمكنهم توظيفه. لكنهم يستطيعون الآن أن يكونوا أكثر انتقائية بعدما أصبحت الأمور أكثر استقرارا.

لا أدلة على تباطؤ الاقتصاد

بالإضافة إلى ذلك، تشهد البطالة ارتفاعا جزئيا نتيجة التغيرات التي طرأت على القوى العاملة في العالم الغني. فقد وصل معدل المشاركة في القوى العاملة في سن العمل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أخيرا إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. فمن كانوا ذات يوم غير مشاركين في الاقتصاد أصبحوا الآن يبحثون بنشاط عن العمل، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة على المدى القصير على الأقل. ولدى هؤلاء الأشخاص ما يدعوهم الى الاعتقاد بأنهم سيجدون وظائف عما قريب. فلا يزال نمو الوظائف قويا إلى حد ما. وقد ارتفع معدل التوظيف في ربع السنة الماضي بمقدار 0.8 في المئة في أوستراليا و0.6 في المئة في كندا.

رويترز
هدوء الصيف قرب بنك إنكلترا، لندن،7 يوليو 2024

ومع أن التوظيف انخفض في اليابان بمقدار 0.03 في المئة، فإن ذلك استثناء في العالم الغني. ومن الصعب أيضا التوفيق بين ضعف سوق العمل المفترض ونمو الأجور الذي يفوق معدل التضخم بسهولة في الاقتصادات الغنية.

ينتظر أن تنمو إيرادات الشركات الأميركية بأكثر من 10 في المئة سنويا. ويتفوق عدد كبير من الشركات الأوروبية على توقعات المحللين في شأن الأرباح. وكانت إيرادات الربع الثاني أفضل من المتوقع في كوريا الجنوبية

إذا كانت قصة الوظائف دقيقة بقدر معقول، فإن قصة الناتج أقل دقة من ذلك. والحكم الذي نخلص إليه بتفحص مجموعة من البيانات هو عدم وجود أدلة كثيرة على تباطؤ الاقتصاد. ففي حالة الركود النموذجية، تشهد أرباح الشركات انخفاضا حادا، لكن أداء الشركات في الدول الغنية جيد حتى الآن. وتشير أبحاث "دويتشه بنك" إلى أن نمو إيرادات الشركات العالمية في الربع الأول من هذا العام بلغ أعلى مستوى له في سبعة أرباع. ويبدو أن الأداء القوي استمر في الربع الثاني.

وينتظر أن تنمو إيرادات الشركات الأميركية بأكثر من 10 في المئة سنويا. وفي 6 أغسطس/آب المنصرم، أبلغت شركة "أوبر"، التطبيق المتخصص في خدمات النقل، عن نتائج جيدة. ويتفوق عدد كبير من الشركات الأوروبية على توقعات المحللين في شأن الأرباح. وكانت إيرادات الربع الثاني أفضل من المتوقع في كوريا الجنوبية.

يقدم الاقتصاد عموما قصة مشابهة، إذ يظهر التتبع الأسبوعي للنشاط الاقتصادي الأميركي، الذي يصدره بنك الاحتياطي الفيديرالي في دالاس، قليلا من علامات الضعف. كما أن "مؤشر مديري المشتريات" العالمي المركب، الذي يتتبع الظروف الاقتصادية، لا يزال قويا.  ومع أن معدل التوسع تباطأ في يوليو/تموز، فإنه ظل من بين أفضل المعدلات المسجلة في العام الماضي.

تتواصل الآثار السيئة لأسعار الفائدة المرتفعة، وعلى الرغم من ذلك لا يزال الاقتصاد العالمي في حالة جيدة في الوقت الراهن

 ويقدم مؤشر "النشاط الحالي" الذي يصدره بنك "غولدمان ساكس" سببا آخر للتفاؤل. يتكرر كثيرا نشر هذا المؤشر ويجمع من مصادر متنوعة، ويقدم لمحة عن الاتجاه الذي يسلكه إجمالي الناتج المحلي في العالم الغني. ويبدو أنه أقوى قليلا مما كان عليه في العام الماضي بمعظمه. بعض الاقتصادات تواجه صعوبات نتيجة ضعف النمو، ومنها النمسا وفرنسا. لكن يبدو أنها في حالة ضعف منذ عام على الأقل، ووضعها أفضل بكثير مما كان عليه قبل بضعة أشهر. 

تشهد الصورة التضخمية تحسنا أيضا. فقد انخفض التضخم في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الوسطية باطراد بعدما بلغ ذروته عند 10 في المئة في أواخر سنة 2022. في يونيو/حزيران، ارتفعت الأسعار الوسطية في دول المنظمة بمقدار 2.6 في المئة في السنة، وهي نسبة قريبة من أهداف البنوك المركزية البالغة 2 في المئة. وقد خفض ربع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التضخم الآن إلى هذا المستوى أو دونه. فبلغ التضخم السنوي في إيطاليا أقل من 1 في المئة، في حين يقترب ارتفاع أسعار المستهلك في فرنسا وألمانيا كثيرا من الهدف. ومن المفارقات أن المخاوف من الركود انتشرت في حين تبدو البنوك المركزية في العالم المتقدم مستعدة لخفض التضخم إلى المستوى المستهدف من دون إحداث أضرار اقتصادية كبيرة.

المخاوف في شأن الاقتصاد يمكن أن تصبح بمرور الوقت نبوءة تتحقق من تلقاء ذاتها. فربما يتسرب القلق إلى الأسر في شأن المستقبل أو تشعر بالفقر عندما تهوي أسواق الأسهم، مما يدفعها إلى التراجع عن الإنفاق. وربما تلغي الشركات الخائفة أيضا خططها الاستثمارية. التضخم لم يهزم بعد، وإن كان قد انخفض، ويمكن أن يرتفع مرة أخرى مع تقلب أسعار السلع الأساسية. كما تتواصل الآثار السيئة لأسعار الفائدة المرتفعة. ومع ذلك لا يزال الاقتصاد العالمي في حالة جيدة في الوقت الراهن.

font change

مقالات ذات صلة