لطالما كانت الفنون وسيلة أساسية للتعبير عن الهوية الثقافية والشعور بالانتماء، وتعد الموسيقى واحدة من أبرز هذه الوسائل، وفي السعودية كانت الأوركسترا بمفهومها الحديث فنا نادرا إلى وقت قريب حيث لم يكن لهذا الفن التقليدي مكان بارز في الحياة الثقافية، وفي السنوات الماضية شهد اهتماما متزايدا، وتحولا فنيا مهما.
مع أن جذور الأوركسترا والكورال الوطني في السعودية قد تعود إلى العام 1952 حينما نشأت فكرة تأسيس فرقة موسيقية، إلا أن الاهتمام لم يبدأ بهذا النوع بشكل موسّع إلا مع بروز الرؤية الثقافية الجديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وتحديدا مع تزايد الدعم الحكومي، وتنوع المبادرات الثقافية التي فتحت الآفاق أمام كل مناحي الإبداع.
وفي عام 2021 تأسست الأوركسترا السعودية ليعاد تدريب وتطوير فرقة أكثر احترافية قادرة على تمثيل المملكة ونقل تراثها الثقافي إلى العالم والترحال به من بلد إلى آخر، ولكن هذه المرة عبر أدوات موسيقية وعازفين ومغنين أكثر تطورا واحترافية، ليشهد 2022 انطلاقتها التي تفاعل معها المسرح السعودي والخليجي والعالمي، فتشكل هذه اللحظة الفارقة نقطة اكتمال لمنظومتها وفرقتها الموسيقية. وفي عام 2023 قدمت عددا إضافيا من عروضها المتميزة وضاعفت حضورها في مهرجانات خارجية الأمر الذي مكنها من إعادة تموضعها في المشهد الفني العالمي.
في عام 2021 تأسست الأوركسترا السعودية ليعاد تدريب وتطوير فرقة أكثر احترافية قادرة على تمثيل المملكة
شكلت الأوركسترا والكورال بداية جديدة في ساحة المملكة الفنية، وبدأت بجذب الانتباه نحوها، فقوبل هذا الحدث بتفاعل واهتمام واسعين شجعاها على إطلاق مبادرة "روائع الأوركسترا السعودية" التي ساهمت بدورها في توسيع نطاق مشاركاتها الخارجية، فنظمت عروضا استقطبت نحوها اهتمام الجماهير والنقاد.
تأثرت الأوركسترا السعودية سريعا بالأداء العالمي، حيث بدأت المشاركة في مهرجانات وفعاليات كبرى مما فتح أمامها التواصل وتبادل الثقافات مع فرق أوركسترالية أخرى من مختلف أنحاء العالم، وهو ما أكسبها خبرة إضافية وتطورا جعلاها تختار سمفونياتها المتصلة بثقافتها الأصلية وموروثها الثقافي والفني الثري والمتنوع.
يعد هذا النوع الموسيقي واحدا من أكثر الأشكال الفنية تعقيدا وثراء، إذ يتطلب تنسيقا عاليا بين عدد كبير من الموسيقيين والعازفين، وهذا التناغم والتنسيق يتيحان للأوركسترا التعبير عن مجموعة واسعة من المشاعر والأفكار.
من الناحية التراثية، تعتبر الأوركسترا والكورال جزءا من التراث الموسيقي العالمي، وهي تحافظ على تقاليد موسيقية عريقة وتساهم في نقلها إلى الأجيال. كما تساهم في بناء جسور تواصل بين الأمم، من خلال عروض تجمع بين الثقافات المختلفة وتتيح فرصة لتبادل الفنون.
في العام 2024 الحالي وبالتحديد في 28 سبتمبر/ أيلول المقبل وبتمكين من هيئة الموسيقى تستعد الأوركسترا السعودية للمشاركة في لندن على مسرح "سنترل هول وستمنستر" بعد ما قدمته في قاعات ومسارح عالمية منها قاعة "دو شاتليه" بباريس، والمسرح الوطني بمكسيكو سيتي، ومسرح دار الأوبرا "متروبوليتان" في "مركز لنكن" بمدينة نيويورك.
ويجيء اختيار هيئة الموسيقى للندن بعد عدة تجارب طورت من قدراتها وإمكاناتها في وقت قياسي، مما يعكس تفانيها في الوصول إلى ذائقة المستمع الدولي لتختبر حكمه، وتتفاعل معه. وهذا الظهور في العاصمة البريطانية سيعزز أهمية الأوركسترا كوسيلة فنية، وبكل تأكيد سيتيح لها فرصا للتفاعل مع جمهور يستخدم ذائقته الموسيقية لغة تواصل جديدة مع التنوع الفني السعودي القادر على الوصول إلى شعوب العالم وثقافاته.