من أجمل المنامات تلك التي تكون فيها خفيفا بلا وزن، فتفارق قدماك الأرض وتروح ترتفع في الهواء. بطل رواية بول أوستر "مستر فيرتيغو" (نُشِرت بالإنكليزية عام 1994 وصدرت حديثا عن "دار الساقي" بترجمة مالك سلمان)، يحقق هذا الحلم في عالم الواقع. إنه صبي يتيم ومشاكس في التاسعة من عمره يدعى وولت، يتسول المال والطعام في شوارع مدينة سانت لويس. في إحدى ليالي عام 1927، يقترب منه رجل يرتدي بدلة سوداء ويقول له: "أنت لست أفضل من حيوان. وإن بقيت حيث أنت، فسوف تموت قبل رحيل الشتاء. أما إن جئت معي، فسوف أعلمك الطيران". لا يصدق وولت ذلك، ولكن بما أنه ليس لديه ما يخسره، يوافق على اقتراح الرجل الغامض – المعلم ياهودي – ويصعد معه إلى القطار.
المقصود بالطيران هنا، ليس قيادة طائرة، ولا خدعة يمكن لساحر تأديتها على خشبة مسرح، وإنما الارتفاع عن الأرض والتحليق حقا، وهذا ما سيتعلمه وولت بالفعل. لكن ثمة سؤال لا ينفك يلح على ذهن القارئ: إلام يرمز الطيران في هذه الحكاية؟
قد تكون الإجابة عن هذا السؤال عسيرة، بيد أنها ليست شرطا للاستمتاع بهذه الرواية التي تتكئ على مستويين اثنين: أولهما الحكاية المسرودة سردا لاهثا ومشوقا، وثانيهما المعنى الرمزي الذي يتخطى الحكاية ولا ينفك يُشعِرُك بحضوره الطاغي أثناء القراءة، ومع ذلك فإنه يتلاشى حالما تحاول القبض عليه.