في 14 أغسطس/آب 2023 نشر الأستاذ كامل الخطي مقالا في صحيفة "الشرق الأوسط" بعنوان "هل غابت المواطنة عن الفقه السياسي الاثنى عشري؟". تناول فيه مسائل تتعلق بأثر "فقه الدولة" على الحياة اليومية للمسلمين الشيعة بسبب حصر الفكر الشيعي للشرعية على الدولة المنتظرة للإمام الغائب. وعليه، فإن كل الدول القائمة اليوم- بما فيها الدولة الإيرانية- لا تحظى بالشرعية الفقهية عند جمهور فقهاء الشيعة الاثنى عشرية، مما يُرتّب أحكاما فقهية موازية للقوانين والأنظمة المعمول بها في الدول الوطنية.
يعود أصل المسألة إلى فكرة الحاكم الشرعي غير الممكّن من حقه المبني على المسألة الاعتقادية لدى المسلمين الشيعة. فتاريخيا ثمة 12 إماما ذوو سلطة دينية لم يتسن لمعظمهم استلام السلطة الزمنية. وكان الاستثناء الوحيد خلافة علي بن أبي طالب التي استمرت قرابة الخمسة أعوام عندما بُويع بيعة عامة منحته السلطة الزمنية، يُضاف لذلك بيعة الحسن بن علي التي استمرت عاما واحدا اضطر بعدها لترك زمام الأمور لمعاوية بن أبي سفيان بسبب عدم وجود العدد الكافي من الأنصار الذي يضمن استتباب الأمور في بلاد المسلمين، فآثر الحسن التنازل.
في الجانب العقدي، الإمامة أصل عند الشيعة الاثنى عشرية، لذلك تمت تسميتهم "الإمامية"، ويترتب على ذلك أن على المسلمين بيعة للأئمة الاثني عشر، سواءٌ مُكّن الإمام من "حقه" في الحكم أم تسلم السلطة السياسية شخصٌ غيره. إذن، فالأصل لدى "الإمامية" السلطة الدينية؛ أما السلطة الدنيوية فهي مسؤولية الأمّة أن تسلم الأمور إلى الإمام المستحق، بحسب ما يذهب له علماء الشيعة.
في الجانب التاريخي، لم يتسنّ تسلّم الحكم للأئمة إلا في فترة خلافة علي بن أبي طالب (35-40هـ) ثم سنة لابنه الحسن، تخلل تلك الفترة عدة حروب أهلية. ولم يتسلم الأئمة العشرة الباقون أمر الحكم، حتى غياب الإمام الثاني عشر على مرحلتين: الغيبة الصغرى عام 260هــ التي كان يتّصل فيها بأتباعه عن طريق نواب محددين، ثم تلتها الغيبة الكبرى عام 329هـ والتي بدأت بإعلان نائبه الرابع علي بن محمد السمري انتهاء الغيبة الصغرى وعدم وجود نائب مباشر للإمام. ومنذ ذلك الوقت اجتهد الفقهاء الشيعة في مسألة النيابة عن الإمام مستدلين بحديثٍ للإمام الحادي عشر الحسن العسكري: "فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه". ومن هنا جاء مصطلح التقليد الذي يستخدمه الشيعة للإشارة إلى الاتباع الفقهي للفقيه الذي يرجعون إليه، لذلك سمي مرجعا.
في الجانب الفقهي، فإن مراجع الشيعة يعتبرون أنفسهم نوابا للإمام ويتصدون لما يتمكنون منه من مهام الإمام المتعلقة بمنصبه "الحاكم الشرعي". ولأن الإمام حاكم شرعي سواء مُكن من الحكم أم لا، فإن المرجع ينوب عنه في هذا المقام بغض النظر عن عدم تنصيبه حاكما، بل إن غالبية المراجع الشيعة لا يسعون للحكم السياسي.