"حزب الله" وإسرائيل تجنبا حربا شاملة... لكن ليس للأبدhttps://www.majalla.com/node/322016/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%88%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D8%AC%D9%86%D8%A8%D8%A7-%D8%AD%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%83%D9%86-%D9%84%D9%8A%D8%B3-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%AF
نادرا ما ترد أخبار طيبة من هذه المنطقة، وعلى الأخص منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. لكن ما حدث يوم الأحد قد يكون سببا للاحتفال (الصامت). ففي ساعات الصباح الباكر من يوم 25 أغسطس/آب، أي بعد مضي شهر تقريبا على الهجومين الإسرائيليين المتعاقبين على كل من بيروت وطهران، اللذين هزا المنطقة ووضعا الجميع على أهبة الاستعداد، أمكن تفادي الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل. وبعد أسابيع من التوترات التي كان من الممكن أن تتصاعد بسهولة إلى حرب شاملة، تجلب المزيد من الدمار إلى المنطقة، تمكن الجانبان من إعلان النصر وإنهاء هذا المستوى من التوتر في الوقت الحالي.
كان من الممكن بسهولة أن ينتهي الأمر على نحو مغاير. ففي صباح يوم الأحد بدأ "حزب الله" أخيرا رده على مقتل فؤاد شكر، أحد كبار القادة في "الحزب"، وهو بمنزلة رئيس الأركان الفعلي للجماعة، وقُتل في غارة إسرائيلية في بيروت. سعى "حزب الله" إلى شن هجوم ذي شقين، شمل أولا إطلاق وابل هائل من الصواريخ على شمال إسرائيل بهدف إرباك القبة الحديدية، وهي نظام الدفاع الجوي الرئيس في إسرائيل، وتشتيت قواها، كما شمل هجوما آخر بالمسيرات والصواريخ يستهدف وسط إسرائيل. وبحسب ما قال زعيم "الحزب" حسن نصر الله، فالهدف هو ضرب غليلوت، وهو مجمع يقع شمال تل أبيب مباشرة، ويستضيف مقر "الوحدة 8200" (المعادلة إسرائيليا تقريبا "لوكالة الأمن القومي" الأميركية)، بالإضافة إلى مقر "الموساد".
ومع أن "حزب الله" لم يختر هدفا عسكريا مركزيا بالغ الأهمية في منطقة تل أبيب، مثل مقر الجيش الإسرائيلي القائم في وسطها، فإن هذه الخطوة كانت شديدة الخطورة، وكان من الممكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و"الحزب"، بل ربما إلى حرب إقليمية. ففي هجوم كهذا، سواء كان بمسيّرة على غليلوت أو بالقصف الهائل على شمال إسرائيل، ثمة فرصة لا يستهان بها بوقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين والعسكريين، وهو ما كان سيدفع إسرائيل إلى الرد عليه بقوة شديدة، وسيدفع ذلك المنطقة إلى حافة الهاوية.
كان من الممكن لصراع شامل كهذا أن يكون كارثيا، أولا وقبل كل شيء على المدنيين اللبنانيين والإسرائيليين على حد سواء، واستطرادا على المنطقة بأسرها. فقد تعهدت إسرائيل مرات عدة أن "تعيد لبنان إلى العصر الحجري" إذا اندلعت الحرب مع "حزب الله". والهدف من هذه التهديدات هو ردع "حزب الله"، لكن ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد أيضا. كما أن "حزب الله" يمتلك أحد أكبر مخزونات الصواريخ في المنطقة وربما في العالم. وهو قادر على إطلاق الصواريخ على إسرائيل بوتيرة لم يسبق لها مثيل وطيلة أشهر. ولو أن حربا شاملة اندلعت بينهما، فسوف ينزع الطرفان القفازات، وهو ما يعني- كما أوضحا- أن كلا منهما سيضرب البنية التحتية للطرف الآخر، وسيستهدفان على نحو فعال "الجبهة الداخلية" للخصم، وهي طريقة مهذبة لقول إنهما سيقتلان كثيرا من المدنيين.
لو أن حربا شاملة اندلعت بينهما، فسوف ينزع الطرفان القفازات، وهو ما يعني- كما أوضحا- أن كلا منهما سيضرب البنية التحتية للطرف الآخر
وبدلا من هذا السيناريو المرعب، نفذت إسرائيل ضربة استباقية في الوقت الذي بدأ فيه "حزب الله" هجومه، ما أدى إلى إزالة جزء من خطره. والمسيرات والصواريخ التي أكد نصر الله أنها استهدفت تل أبيب، لم تبلغ هدفها قط. وعلى الرغم من ادعاء نصر الله بأن إسرائيل "تتستر" على خسائرها، فما من وسيلة أمام إسرائيل تمكنها من إخفاء الأضرار التي لحقت بهذه المنشأة المركزية لو أصيبت، فهي تقع على طول تقاطع طرق مزدحم للغاية. وكان من الممكن سماع دوي الانفجارات، ورؤية سيارات الإسعاف، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي قد ضجت بمقاطع الفيديو بعد الانفجار.
ليس علينا أن نتعجل في دحض تأكيد نصر الله. ومن الأفضل أن نسمح لـ"حزب الله" بأن يروج لانتصاره الوهمي، بدلا من إرغامه على رمي النرد مرة أخرى والمخاطرة ثانية. فقد أعلن نصر الله في أعقاب هذا التصعيد أن هجوم "حزب الله"، الذي أطلق عليه اسم "عملية الأربعين" لأنه وافق مناسبة أربعين الحسين التي يحتفل بها المسلمون الشيعة، كان هجوما ناجحا على أكمل وجه ونفذ كما كان مخططا له تماما. وعلى الجانب الآخر من الحدود، افتخر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بقدرة إسرائيل على تدمير آلاف منصات الإطلاق في عملية جوية كبيرة.
وأسفرت جولة العنف هذه، وهي واحدة من أخطر جولات العنف حتى الآن، عن مقتل ثلاثة لبنانيين، أحدهم عضو في الجناح العسكري لحركة "أمل" (حليف "حزب الله" الشيعي في لبنان)، وجندي إسرائيلي واحد. ولئن يتمكن كلا الجانبين الآن على إعلان النصر، وتراجعهما عن حافة صراع مدمر ومن دون وقوع خسائر في الأرواح تقريبا، لهي معجزة حقيقية، نادرا ما تشهدها هذه المنطقة.
غير أن المنطقة لا يمكنها أن تتجنب الحرب إلى الأبد. ويلمح كلا الجانبين إلى أن هذه ليست نهاية هذا التصعيد. وحذر نصر الله من أن "عملية الأربعين" كانت رد فعل "حزب الله" وحده، ملمحا إلى أن إيران ووكلاءها الآخرين لا يزال بإمكانهم تنفيذ هجومهم على إسرائيل ردا على مقتل إسماعيل هنية، زعيم "حماس"، في طهران. وقد ادعى "حزب الله" نفسه أن هذا الهجوم ليس سوى "المرحلة الأولى" من الرد. كما أن نتنياهو قال بعد ساعات من الهجوم، في بيان له، إن الضربة الاستباقية التي شنتها إسرائيل "ليست نهاية القصة" مشيرا إلى أن هذه ليست سوى بداية جهد لـ"تغيير الصورة".
والحقيقة أن صناع القرار على الجانبين ليس لديهم سوى رغبة ضئيلة في نشوب صراع كبير. ولكن صناع القرار هؤلاء أنفسهم باتوا أيضا محاصرين أكثر فأكثر ولا خيارات لديهم، وأحيانا بسبب ما اختاروه هم بأنفسهم. فقد ادعى نصر الله أن "حزب الله" سوف "يتتبع" نتائج هجومه، لقياس إن كانت النتيجة مرضية أم لا، ثم بعد ذلك إما أن يقدر أن رده قد انتهى، وإما أن يستمر في "مراحل" إضافية.
والحزب بذلك يشتري وقتا له على نحو ملائم. فنصر الله لم يحدد نوع "النتيجة" التي كان يبحث عنها. وقد تكون إحداها استعادة الردع، ولا سيما بعد أن قتلت إسرائيل أحد كبار قادة "الحزب" في وسط الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها "حزب الله" في بيروت. إلا أن هذا قد يضاعف من خطر أي تصعيد مستقبلي، إذ قد يرى "حزب الله" بعد ذلك أن رده غير كاف، وعليه بالتالي أن يتخذ خطوات تصعيدية خطرة. وليس من الواضح إن كان نصر الله يعرف إلى أين يتجه بهذا التهديد. ولعله يأمل أن لا يضطر إلى وضعه موضع التنفيذ. أما التفسير الآخر فهو أن "حزب الله" يأمل أن تكون "نتيجة" هجومه وقفا لإطلاق النار في غزة. وبدا أن نصر الله يلمح إلى هذا الاحتمال، حيث ادعى أن هجوم "حزب الله" قد يكون له تأثير إيجابي على الوضع في غزة، وكرر الرواية القائلة إن لبنان هو "جبهة إسناد" لغزة، تهدف إلى تخفيف الضغط العسكري عن القطاع والتأكد في النهاية من خروج "حماس" من هذه الحرب وهي على قيد الحياة.
"حزب الله" اشترى وقتا له على نحو ملائم. فنصر الله لم يحدد نوع "النتيجة" التي كان يبحث عنها. وقد تكون إحداها استعادة الردع
ويمكن ملاحظة الدينامية نفسها على الجانب الإسرائيلي. فقد أعلن رؤساء البلديات ورؤساء السلطات المحلية في إسرائيل عن أنهم سيعلقون اتصالاتهم مع الحكومة احتجاجا على الحكومة لاعتقادهم بأنها تتجاهلهم. وتساءل سكان المناطق الشمالية على الحدود مع لبنان، الذين نزحوا منذ أشهر، لِمَ تحرص إسرائيل على منع الهجوم على تل أبيب، بينما لم تفعل الكثير لوقف الهجمات الصاروخية والهجمات اليومية بالمسيرات على الشمال؟
وفي رده على هذه الانتقادات غير المتوقعة، وعد نتنياهو بأن هذه "ليست نهاية القصة". لكنه يعلم جيدا أن الحرب مع "حزب الله" ستكون أيضا مدمرة لإسرائيل في ظل عدم وجود ضمانات بزوال تهديده. كانت كلماته فارغة، وتشير ضمنا إلى أن لدى إسرائيل خطة، بينما هو في الواقع، متردد جدا بين تصعيد الصراع مع "حزب الله"، أو إنهائه عبر صفقة في غزة.
ويوم الأحد، تجنبت المنطقة حربا لا يريدها أحد حقا، لكنها حرب ستنشب بالتأكيد، إذا استمر الطرفان في رمي حجر النرد.