نادرا ما ترد أخبار طيبة من هذه المنطقة، وعلى الأخص منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. لكن ما حدث يوم الأحد قد يكون سببا للاحتفال (الصامت). ففي ساعات الصباح الباكر من يوم 25 أغسطس/آب، أي بعد مضي شهر تقريبا على الهجومين الإسرائيليين المتعاقبين على كل من بيروت وطهران، اللذين هزا المنطقة ووضعا الجميع على أهبة الاستعداد، أمكن تفادي الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل. وبعد أسابيع من التوترات التي كان من الممكن أن تتصاعد بسهولة إلى حرب شاملة، تجلب المزيد من الدمار إلى المنطقة، تمكن الجانبان من إعلان النصر وإنهاء هذا المستوى من التوتر في الوقت الحالي.
كان من الممكن بسهولة أن ينتهي الأمر على نحو مغاير. ففي صباح يوم الأحد بدأ "حزب الله" أخيرا رده على مقتل فؤاد شكر، أحد كبار القادة في "الحزب"، وهو بمنزلة رئيس الأركان الفعلي للجماعة، وقُتل في غارة إسرائيلية في بيروت. سعى "حزب الله" إلى شن هجوم ذي شقين، شمل أولا إطلاق وابل هائل من الصواريخ على شمال إسرائيل بهدف إرباك القبة الحديدية، وهي نظام الدفاع الجوي الرئيس في إسرائيل، وتشتيت قواها، كما شمل هجوما آخر بالمسيرات والصواريخ يستهدف وسط إسرائيل. وبحسب ما قال زعيم "الحزب" حسن نصر الله، فالهدف هو ضرب غليلوت، وهو مجمع يقع شمال تل أبيب مباشرة، ويستضيف مقر "الوحدة 8200" (المعادلة إسرائيليا تقريبا "لوكالة الأمن القومي" الأميركية)، بالإضافة إلى مقر "الموساد".
ومع أن "حزب الله" لم يختر هدفا عسكريا مركزيا بالغ الأهمية في منطقة تل أبيب، مثل مقر الجيش الإسرائيلي القائم في وسطها، فإن هذه الخطوة كانت شديدة الخطورة، وكان من الممكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و"الحزب"، بل ربما إلى حرب إقليمية. ففي هجوم كهذا، سواء كان بمسيّرة على غليلوت أو بالقصف الهائل على شمال إسرائيل، ثمة فرصة لا يستهان بها بوقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين والعسكريين، وهو ما كان سيدفع إسرائيل إلى الرد عليه بقوة شديدة، وسيدفع ذلك المنطقة إلى حافة الهاوية.
كان من الممكن لصراع شامل كهذا أن يكون كارثيا، أولا وقبل كل شيء على المدنيين اللبنانيين والإسرائيليين على حد سواء، واستطرادا على المنطقة بأسرها. فقد تعهدت إسرائيل مرات عدة أن "تعيد لبنان إلى العصر الحجري" إذا اندلعت الحرب مع "حزب الله". والهدف من هذه التهديدات هو ردع "حزب الله"، لكن ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد أيضا. كما أن "حزب الله" يمتلك أحد أكبر مخزونات الصواريخ في المنطقة وربما في العالم. وهو قادر على إطلاق الصواريخ على إسرائيل بوتيرة لم يسبق لها مثيل وطيلة أشهر. ولو أن حربا شاملة اندلعت بينهما، فسوف ينزع الطرفان القفازات، وهو ما يعني- كما أوضحا- أن كلا منهما سيضرب البنية التحتية للطرف الآخر، وسيستهدفان على نحو فعال "الجبهة الداخلية" للخصم، وهي طريقة مهذبة لقول إنهما سيقتلان كثيرا من المدنيين.