العالم نحو مزيد من الشيخوخة فما تكلفتها على الاقتصاد؟https://www.majalla.com/node/322014/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D9%85%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE%D9%88%D8%AE%D8%A9-%D9%81%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D9%83%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%9F
ستشكل المسألة الديمغرافية عنصرا فارقا في تصنيف تطور المجتمعات، وقدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية خلال العقود القليلة المقبلة. إذ إن الأمم التي تستثمر في ثروتها البشرية، يمكنها الاستفادة من الطفرة، وتحويلها إلى مصدر غنى وتقدم علمي واقتصادي.
وفي مقدورها أيضا تحمل تكلفة تمويل حاجات الفئة المسنة على المدى المتوسط والطويل. في المقابل، قد يكون للضغط الديمغرافي أعباء اقتصادية واجتماعية سلبية على المجتمعات النامية، الأقل إنفاقا على التربية والتأهيل والصحة، ما يزيد صعوبة توفير الرعاية المطلوبة في عالم يتجه نحو مزيد من الشيخوخة.
عالم من المسنين
تتوقع الأمم المتحدة أن يتضاعف عدد الأشخاص فوق 65 سنة، قبل منتصف القرن الحالي، لتبلغ نسبتهم 22 في المئة من مجموع السكان الذين يتوقع أن يبلغ عددهم 9,7 مليارات نسمة عام 2050. هؤلاء يحتاجون رعاية صحية، وخدمات اجتماعية، وراتبا يضمن لهم حياة كريمة في خريف العمر، وهو تحد مالي كبير قد لا تتحمله صناديق التقاعد والتحوط الاجتماعي، التي عليها أن تصمد ثمانين سنة أخرى، إلى أن يشهد العالم بداية التراجع السكاني، وينخفض نحو 700 مليون نسمة عن التوقعات السابقة، ليستقر عند مستوى 10 مليارات نسمة عام 2100. كما أن غالبية فئة المسنين موجودون في الدول الفقيرة أو ذات الدخل الضعيف والمتوسط، وهم يقدرون بمئات الملايين، لن يكون لهم تغطية اجتماعية كافية. بالتالي، قد يشهد العالم تحديات غير مسبوقة في مجال كفالة الأشخاص من دون رعاية أو دخل، تشمل نحو ثلثي المسنين في العالم.
في حلول نهاية سبعينات القرن الحادي والعشرين، من المتوقع أن يتجاوز عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر، عدد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا، وسيكون الأشخاص فوق الـ80 سنة أكثر عددا من الرضع
الأمم المتحدة
معادلة ديمغرافية
تقول الأمم المتحدة إنه "في حلول نهاية سبعينات القرن الحادي والعشرين، من المتوقع أن يتجاوز عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر، عدد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا. وسيكون الأشخاص فوق الـ80 سنة أكثر عددا من الرضع، في حلول ثلاثينات القرن. هذه المعادلة الديمغرافية لم يسبق أن عاشتها الإنسانية من قبل. وحتى الدول التي لا تزال تشهد نموا سكانيا سريعا ولديها قاعدة شبابية عريضة، من المتوقع أن يرتفع لديها عدد الأشخاص فوق 65 سنة خلال الثلاثين سنة المقبلة. في الدول المتقدمة، خصوصا أوروبا، سينخفض عدد الشباب، وقد تفقد القارة العجوز 20 في المئة من سكانها الحاليين في نهاية القرن.
وسيكون الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى تأمين الرعاية الصحية لنحو 448 مليون نسمة، 80 في المئة منهم في سن التقاعد، وهي إشكالية معقدة يصعب تحقيقها بسبب الصعوبات المالية التي تواجه صناديق التقاعد. وترفض النقابات العمالية رفع سن التقاعد (فرنسا 64، إسبانيا 65، إيطاليا 67 عاما). ولا تملك الحكومات خيارات كثيرة لمواجهة شبح الإفلاس، وهي من الأسباب المباشرة لعدم الاستقرار السياسي وارتفاع المديونية.
وفي أفريقيا التي تمثل حاليا 18 في المئة من سكان العالم، سيرتفع عدد السكان فيها إلى 2,5 مليار نسمة عام 2050 بسبب استمرار معدلات المواليد المرتفعة، البالغة 4,15 طفل لكل امرأة، في مقابل متوسط عالمي يبلغ 2,2. وتعتقد الأمم المتحدة أن ثماني دول ستساهم في نصف الزيادة السكانية خلال السنوات الـ30 المقبلة، منها خمس في القارة السمراء، وستكون نيجيريا البلد الثالث من حيث عدد السكان وراء الهند والصين. فمع مرور الزمن أصبح النمو السكاني العالمي يتركز أكثر في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.
في سبعينات القرن الماضي، كان عدد العمال يفوق 12 مرة عدد المتقاعدين، مما كان يساعد في تمويل صناديق التقاعد. وتقل النسبة حاليا عن اثنين لكل واحد، مما عرض ميزانيات تلك الصناديق إلى ضغوط تمويل تكاليف الرعاية الصحية والرواتب
في سبعينات القرن الماضي، كان عدد العمال يفوق 12 مرة عدد المتقاعدين، مما كان يساعد في تمويل صناديق التقاعد. وتقل النسبة حاليا عن اثنين لكل واحد، مما عرض ميزانيات تلك الصناديق إلى ضغوط تمويل تكاليف الرعاية الصحية والرواتب. وهذه حالة تتسع لتشمل جميع دول العالم تقريبا. وفي بعض الأحيان، فإن الشيخوخة وتباطؤ نمو السكان العاملين يؤديان إلى الركود الاقتصادي، خاصة في الدول المتقدمة التي تعاني انخفاضا في الخصوبة على الرغم من الهجرة. ووفقاً لعدد من الدراسات التجريبية، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي يتناسب تقريباً مع نمو السكان.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تتجه المنطقة العربية تدريجيا نحو شيخوخة مبكرة، لكنها بطئية قياسا بمناطق أخرى في العالم. وفي عام 2022، كانت شريحة السكان في سن العمل، 15 إلى 64 عاما، تمثل 62 في المئة في دول مجلس التعاون الخليجي، كما تتمتع مناطق أخرى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بقاعدة شبابية عريضة تفوق 4 نقط المتوسط العالمي (40 في المئة إلى 36 في المئة). تساعد هذه التركيبة السكانية في جني ثمار العائد الديمغرافي وزيادة الإنتاجية الاقتصادية والاستفادة من الثروة التكنولوجية والعلمية والتدفقات الاستثمارية. وتمثل دول المغرب العربي القريبة بديلا ديمغرافيا بالنسبة الى أوروبا، التي ستعاني نقصا حادا في عدد الفئة النشيطة. وستكون مساهمة واستفادة الأشخاص من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر حضورا في حجم الاقتصاد العالمي، خلال منتصف القرن الحادي والعشرين، عندما يتجاوز الناتج الإجمالي سقف 200 تريليون دولار. لكن المنطقة ستواجه على المدى المتوسط مشاكل الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، مع التباين في القدرة على تحمل مجتمع المسنين.
التحدي الاقتصادي
يعتقد تقرير الأمم المتحدة حول التوقعات السكانية في العالم لعام 2024 "أن أكثر من نصف دول العالم تتجه نحو تراجع الخصوبة الإنجابية، ويقدر المعدل العالمي حاليا طفلين لكل امرأة (لإبقاء التوازن السكاني )، ولا تتجاوز النسبة 1,4 طفل لكل امرأة في 6 دول منها اليابان والصين وألمانيا وروسيا، وهذه الدول مهددة بفقدان 14 في المئة من سكانها خلال الثلاثين سنة المقبلة".
كانت الدول تحقق نموا مرتفعا قبل عقدين من الزمن يتجاوز 5 في المئة، عندما كانت تتوفر لديها قاعدة إنتاجية كبيرة بفضل سواعد شابة. ومع التراجع السكاني وشيخوخة المجتمع، انكمش النمو الاقتصادي في جل الدول الصناعية إلى ما بين 1 إلى 2%
وستعاني دول مثل إيطاليا وألمانيا وإسبانيا وفنلندا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي، من تحديات ديمغرافية هائلة، وضعف في سوق العمل الإنتاجي على المدى المتوسط، لا يمكن تجاوزها سوى بالاعتماد على الهجرة من دول أخرى، أو التشجيع على الإنجاب المحلي. وهي معادلة ليست يسيرة، خصوصا أن تلك الدول قد تواجه تراجعا في النمو الاقتصادي وارتفاعا في التكلفة الاجتماعية لرعاية المسنين على المدى المتوسط. وكانت هذه الدول تحقق نموا عاليا قبل عقدين من الزمن يتجاوز 5 في المئة، عندما كانت تتوفر لديها قاعدة إنتاجية كبيرة بفضل سواعد شابة. ومع التراجع السكاني وشيخوخة المجتمع، انكمش النمو الاقتصادي في جل الدول الصناعية إلى ما بين 1 إلى 2 في المئة (باستثناء الولايات المتحدة)، مما زاد تكلفة الرعاية الاجتماعية، وأضعف التنافسية بسب نقص العمالة المحلية.
الذروة السكانية
في العديد من الدول المتقدمة، يلاحظ تراجع عدد السكان في سن العمل في مقابل تزايد عدد المسنين، وهي ظاهرة ما فتئت تتسع لتشمل حتى بعض الدول الصاعدة. وتفيد الأمم المتحدة أن 63 دولة تمثل 28 في المئة من سكان العالم، تجاوزت فترة الذروة السكانية، وتتجه نحو تسجيل ضعف في المواليد واتساع قاعدة المسنين.
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) January 29, 2022
وتأتي الصين وروسيا وألمانيا واليابان وكوريا الشمالية في مقدمة الدول المعنية بالتراجع السكاني. وفي حلول 2055، ستفقد أوروبا عدد سكان يقدر بـ152 مليون نسمة. في المقابل سيزيد عدد سكان الهند وإندونيسيا وباكستان ونيجيريا والولايات المتحدة. كما يتوقع تراجع عدد سكان البرازيل وتركيا وإيران. ووفقاً لنماذج النمو القياسية، فإن نموا سكانيا بطيئا يكلف الاقتصاد تحديات أكبر، والحاجة إلى الاعتماد على التكنولوجيا، والمهارات الجديدة، التي يمكن استيرادها عبر الهجرة، لتعويض النقص في عدد الأشخاص. وفي عام 1950، كان واحد من كل اثني عشر شخصا يزيد عمره على 65 عاما يعيش في دول ذات دخل مرتفع. وسينخفض الرقم إلى واحد من كل أربعة في حلول 2050.
فوارق الشيخوخة
يعتقد صندوق النقد الدولي أن الدولة الاجتماعية ستكون في اختبار صعب، للوفاء بمطالب كل الفئات العمرية، مما يشكل ضغطا على الموارد المالية المحدودة، ويعرض الموازنة لعجز هيكلي. وتتجه الدول المنخفضة الدخل مثل النيجر والكونغو وأنغولا والصومال ونيجيريا، نحو مزيد من النمو السكاني ليتضاعف في حلول 2054. ولاحظ تقرير الأمم المتحدة أن الدول التي تتمتع بأعلى مستويات الخصوبة، تميل لأن تكون تلك التي لديها أدنى دخل للفرد.
هذا النمو السريع في عدد سكان العالم، مصدره التقدم الطبي والعلمي والتكنولوجي، وتحسن مستويات المعيشة، والرفاه الذي وصلت إليه الإنسانية، وتمدد الأمل في الحياة، واتساع الهجرة والتلقيح
وقال نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، لي جونهوا، "لا يستفيد جميع الناس من تحسن خدمات الصحة والتعليم في العالم. وإذا كان عدد من الأشخاص بصحة جيدة، ولهم اقتصاد فاعل (لناحية الدخل)، فإن آخرين يعيشون بالأمراض، أو الفقر المدقع في مناطق أخرى". وتعتبر أنظمة الرعاية الاجتماعية في الدول المتقدمة الأحسن في العالم، بما يضمن للمسنين حياة جيدة صحيا واقتصاديا. وسيكون متوسط عمر الوفاة عندهم 80 سنة وأكثر، بزيادة 17 سنة عن متوسط عمر 1995. ومن المرجح أن يعيش الأطفال الذين يولدون اليوم، ربع قرن أطول من أجدادهم الذين ولدوا في عام 1950.
تراجع الخصوبة
في منتصف القرن العشرين، كان عدد سكان العالم يقدر بـ2,6 مليار نسمة فقط، ثم ارتفع إلى 8,2 مليارات في النصف الأول من عام 2024. هذا النمو السريع في عدد سكان العالم، مصدره التقدم الطبي والعلمي والتكنولوجي، وتحسن مستويات المعيشة، والرفاه الذي وصلت إليه الإنسانية، وتمدد الأمل في الحياة، واتساع الهجرة والتحضر، والتلقيح ضد الجائحات، مما أدى إلى زيادة تدريجية في عمر الإنسان، نحو ضعف ما كان عليه قبل 100 سنة، يوم كانت الأوبئة والأمراض تفتك بعشرات الملايين.
أدت الهيكلة السكانية إلى تحولات عميقة داخل المجتمعات، منها توسع عدد سكان المدن، والتعليم والصحة، والوعي بسلبيات الأسرة الممتدة، ومنافع الثقافة الإنجابية، وتعليم الفتيات وخروج المرأة إلى العمل، وتحسن وضعها الاعتباري والحقوقي، وتوجه المجتمعات نحو الحداثة والتكنولوجيا والحماية الاجتماعية والرفاه.
لكن السؤال، هل يستطيع الاقتصاد تحمل تكلفة جيل المسنين؟