إذا ما نقّبنا في السيرة الذاتية للمخرج السوري محمد ملص (1945) فسنرتطم بكتلة من مشاعر الفقدان وفداحة الخسارات، ونخمن العلاقة الوطيدة مع رماد مدينته القنيطرة التي لم يتمكن من تجاوزها، فيستعيدها بصريا بذاكرة طفل السابعة من العمر، حين هُجر منها قسرا. فهو لم يكتف بالتمرد في أفلامه، بل خاض تمرده الشخصي حين طاردته الرقابة ولم تعد تنتج أفلامه. وأخذ يحاول البحث عن التمويل المشترك ليتابع تحقيق مشاريعه السينمائية.
"المجلة" حاورت ملص الذي كان له دور جوهري في تشكيل ملامح السينما السورية ونهوضها في ثمانينات القرن الماضي، وكيف تحايل على المقص الرقابي؟ وماذا عن المشاريع المؤجلة التي لا تزال حبيسة الأدراج؟ وهل نجح في العثور على صورة فلسطين من خلال المنامات في فيلمه "المنام"؟
مكرّم في الخارج منسيّ في الداخل
كُتب لهذا الحوار أن يتأجل مرات عدة، لانشغالات ملص في تخرج دفعته الأولى في الجامعة العربية الدولية التي درّسها خلال السنوات الأربع الماضية، وسفره إلى مدينة بولونيا في ايطاليا؛ بعد تلقيه دعوة للمشاركة في مهرجان "الاستعادة" الدولي الذي يقيمه "السينماتيك" الإيطالي التابع لصندوق المخرج العالمي مارتن سكورسيزي لترميم الأفلام العالمية وحمايتها وعرضها عالميا، خاصة تلك التي صورت على شرائط سينمائية، وحمايتها من التلف، وأيضا لعرض فيلمه "الليل" (1994) واللقاء مع جمهور هذا المهرجان. يقول ملص لـ"المجلة": "سعدت بهذه الدعوة، خاصة بعد مضي أكثر من ثلاثين عاما على فيلم ’الليل’ وغياب أي تصور علمي ودقيق على السلامة الراهنة للفيلم تقنيا وفنيا. وإتاحة الفرصة لترميمه. إذ غالبا ما تتعرض الأفلام السينمائية القديمة إلى أذى تقني وفني، فيأتي الترميم محاولة لإعادة ما كان عليه الفيلم، والحصول على نسخة جيدة له". الدعوة التي تلقاها ملص بحد ذاتها هي تقدير له كسينمائي كبير، بخلاف التكريمات الداخلية المؤجلة أو تلك التي تأتي متأخرة جدا. وفي سوريا غالبا ما تأتي بعد رحيل صاحبها.