اختلفت القراءات لجولة التصعيد الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل، في ظل وجود سرديتين لكل طرف لما حصل فجر الأحد الماضي، لكن في المحصلة النهائية فإن هذه الجولة انتهت إلى تأكيد الجانبين، في رسائل متبادلة، أن تبادل القصف المكثف يوم الأحد "انتهى"، وأن أيا منهما لا يريد التصعيد أكثر من ذلك، بحسب ما أعلنه دبلوماسيان لوكالة "رويترز".
لذلك فإن خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله مساء الأحد كان خاليا تقريبا من أي رسائل إلى إسرائيل، باعتبار أن الرسائل فيما يخص التصعيد الأخير تمت عبر قنوات خلفية فضلا عن الرسائل التي تضمنها ردّ "حزب الله"، والذي- أيا تكن الأهداف التي حققها أو لم يحققها- كان "مدروسا جدا" بحيث لم يخرج عن السقوف التي يمكن احتواؤها من جانب إسرائيل فلا تجد نفسها مضطرة إلى رفع مستوى التصعيد ضد "حزب الله" وصولا إلى "أيام قتالية" ضده أو حرب شاملة لا يريدها أيا منهما حتى الآن.
والحال يمكن القول إن المواجهات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية عادت إلى "سياقها الطبيعي" ما قبل "حادثة" مجدل شمس واغتيال القيادي الرفيع في "حزب الله" فؤاد شكر. لكن بالرغم من ذلك لا يمكن الحديث عن ثبات في وتيرة المواجهات كما لو أن ما قبل التصعيد الأخير هو تماما كما بعده، باعتبار أن معادلات الردع بين الطرفين ليست نهائية وليست ثابتة بل هي متحركة وتحددها وتيرة المواجهات بين الجانبين من حيث قدرة كل طرف على مراكمة الضرر ضدّ الطرف الآخر.
بالتالي فإن نتائج جولة التصعيد الأخيرة ستظهر في حركة الميدان المفتوح بين الجانبين في المرحلة المقبلة، والسؤال هو أي طرف سيبدي استعدادا للهجوم أكثر؟ وبعبارة أخرى: أي طرف سيبدو مردوعا أكثر؟ حتى الآن يبدو أن زمام المبادرة الهجومية لا يزال إلى حد بعيد في يد إسرائيل، ولاسيما من خلال سياسة الاغتيالات بالطائرات المسيرة ضد كوادر "حزب الله" وحلفائه من الفلسطينيين واللبنانيين، والتي يبدو أن إسرائيل مستعدة أو مصممة على مواصلتها كما بدا من محاولة اغتيال كادر فلسطيني في صيدا جنوبي لبنان الاثنين. ولا ريب أن القياس الفعلي للردع بين الجانبين في المرحلة المقبلة سيتوقف على مدى استعداد إسرائيل لاغتيال قيادي رفيع آخر في "حزب الله". وبذلك تكون مفاعيل رد الأخير على اغتيال شكر قد أحبطت فعلا من ناحية فشله في ردع إسرائيل عن شن مزيد من الهجمات "النوعية"، إذ إن وظيفته لا يمكن أن تكون اتنقامية وحسب بل ردعية بالدرجة الأولى.
في المقابل فإن مجرد تنفيذ "حزب الله" رده على إسرائيل يعني من بين ما يعنيه أنه غير مردوع تماما عن مهاجمة الداخل الإسرائيلي وإن كان رده "مضبوطا"، إذ إن القياس الأولي للرد من ناحية المعادلات الردعية هو في مجرد حصوله قبل تفاصيله. وإن كان لا يمكن تجاهل تلك التفاصيل في القراءة الإجمالية للرد ربطا بنتائجه على مستقبل الصراع ووتيرة انخراط كل طرف فيه ونوعية هذا الانخراط من حيث حجم الأهداف وحجم القوة المستخدمة من قبل كل منهما.