تتفاقم اكتشافات الفضاء الخارجي يوما بعد يوم، مع التقدّم الهائل لتكنولوجيا التلسكوبات الضخمة وتطور آليات المراصد عبر أرجاء المعمورة، ومعظمها رسمي يشتغل تحت إمرة أقطاب حكومية كلاسيكية وأخرى لفرق تابعة لجامعات وخليّات بحث وشركات خاصة.
اللافت في تواتر هذه الأخبار التي تمطرنا بها المواقع المتخصّصة، هو تلك المفردة للأخطار المحدقة بكوكب الأرض، ومنها أجرام سماوية يهدد اصطدامها بكوكبنا احتمالية نهاية بشرية تراجيدية شاملة، كذا النيازك الضخمة المنشقة عن كواكب أخرى أو حزامها، فضلا عن انحرافات مسار كويكبات أو سقوط أجسام غريبة. هي محض أخبار تتداولها هذه المواقع بتهويل وترهيب، حدّ باتت مادة تشويقية لبعض صناع المحتوى.
نسمع باضطراد نوعا خارقا من الاكتشاف بات تقليدا أو قاعدة، عن رصد أكثر من كوكب يشبه الأرض، أو ينعم بشروط الحياة، لكن السفر إليه منذور لسنوات ضوئية. وباتت هذه المستجدات العلمية مثل بازار للتسلية من فرط التكرار، إذ ما عاد الواحد منا يدرك الصحيح منها من الزائف، الحقيقي منها من الكاذب، العلمي منها من الخيالي، الثابت منها من المتحول، الجديد منها من القديم، المدهش منها من البديهي.
لا يزال كوكب الأرض نفسه غامضا، لم يستوف الإنسان اكتشافه على نحو كامل
وفي الوقت الذي يستأثر كوكب المريخ بالاهتمام الفضائي المعاصر كله، إذ الروبوتات تذرع كرته بحثا عما يحيل على حياة، في ما يشبه فيلما كرتونيا فانتازيا، لا يزال كوكب الأرض نفسه غامضا، لم يستوف الإنسان اكتشافه على نحو كامل، فبالأحرى الاعتداد والافتخار بتشكيل معرفة علمية دقيقة حول أقرب جسم فضائي، وهو جارنا التعيس: القمر.
في الموازاة، تتحمّس شركات تجارية ضخمة، لحلم السياحة الفضائية الخارجية، بدءا بالرسو في محطة القمر، في مسار رحلة تروم كوكب المريخ وصولا ورجوعا.
لا ريب أن بالحلم يتقدم كل ما هو إنساني، علما وتاريخا وفنا. ولا ريب أن الخيال هو ما يحرض وتيرة هذا التقدم ويتبوّأه كأرنب سباق إلى اللانهائي، غير أن مجمل هذه المستجدات المتواترة أو الظواهر العلمية المتناسلة، وفق ما تروّج له هذه المواقع ببهرجة، أصبح مع تزايدها واستفحالها كمفرقعات ألعاب الأعياد، وما أشبها بكوميديا سوداء.
غير بعيد، أغلبنا يتذكر عودة الصاروخ الصيني الخارج عن السيطرة وإمكان إحداثه كارثة إنسانية إذا ما سقط في منطقة مأهولة، وقد أنذرت الصين بضلاله ووشوك سقوطه، لكن لا علم لأحد أين، وبذا صارت بعض الدول إن لم يكن جميعها مثل بشر يتحسّسون رؤوسهم مخافة أن يهشّم جماجمها.
أما التهويل الأكبر فحينما أنذرت وكالة الفضاء "ناسا" بعاصفة شمسية، من مضاعفاتها السلبية الأكيدة انقطاع الراديو وبعض الاتصالات على الأرض، ومن ناحية جمالية طبيعية فسينجم عنها شفق قطبي. لم تقف التوقعات عند هذا الحدّ، وحذّر بعض علماء الفيزياء الفلكية من أن الحدود القصوى لهذه العواصف سيتضاعف ويتعدى تأثيرها اشتعال أسلاك الاتصال وتعطيل بوصلات السفن والأقمار الصناعية وحرف "هابل" عن مداره، إلى إيقاظ حفيظة الأعاصير التي ستضرب بقوة أكثر من بلد.
عن الشمس دائما، تداولت المواقع ذاتها منذ سنتين صورة أطلقها مرصد "ديناميكا الشمس"، وكانت للشمس وهي تبتسم! غير أنها ابتسامة فُسِّرت بالشؤم. أما الفرضية العلمية للظاهرة ففجوات إكليلية، بمثابة مناطق مغناطيسية مفتوحة، مما يجعل الرياح الشمسية تندلق خارج نواة الشمس مع إحداث عواصف ذات تأثير على الأرض.
غير بعيد كذلك، نتذكّر حمّى الفرضيات المرعبة التي رافقت خبر صخرة عملاقة بحجم ثلاثة ملاعب لكرة القدم كانت على مسافة وشيكة من الأرض، وقد خلقت قلقا في سنة 2014 إذ قدّر العلماء مأسوية حدثها التدميري، إن وقع، بنحو 2500 قنبلة هيروشيما. في بيان آخر، أكد خبراء راسخون في علم الفضاء أن عشرات الآلاف من هذه الصخور تمرّ بجوار كوكب الأرض أغلبها يتحطم في الغلاف الجوي، ومع ذلك، حتما أحدها، آجلا أم عاجلا، سيصطدم بنا لصعوبة رصد مساره المتقلب، وبهذا تزعم أميركا تطوعها بشكل هوليوودي، متمثلة في وكالتها الذائعة الصيت والريبة "ناسا"، بمبادرة كونية استباقية لتحطيم كويكبات ونيازك كهذه، في ما يشبه مهمة جيمس بوندية.
كليشيهات ما أبعدها عن حقائق علمية لم تتأكّد واقعيتها فعلا، إذ ظلت مجرد فرضيات مبالغ فيها تصلح لتسلية العقول الفجة
أما مخلفات شتاء سقوط هذه الأجسام أو تحطمها بالأحرى، فينضاف إلى مخلفات الصواريخ والأقمار الصناعية ذات الصلاحية المنتهية أو التي فشلت الدول المهتمة بالكون، في إطلاقها أو عودتها، وهذا ما ينشأ عنها أكبر مزبلة نفايات تحيط بالأرض، لن تعيق رحلات السفن الفضائية مستقبلا وحسب، بل لها أخطار بيئية جسيمة.
يشحن هذا المناخ الفضائي المأهول بخطر النهايات، ما تتداوله بعض الجهات أو المجلات العلمية وكذا بعض رواد الفضاء حول الكائنات الفضائية الذكية، وعن احتمالية ظهورها الوشيك في العقود المقبلة، مراهنة على فرضية وجودها الأكيد بالمعيار نفسه التي تفترض احتمالية وجود حيوات أخرى في كواكب مجهولة في درب التبانة التي تضم مليارات النجوم، فبالأحرى دروب أخرى غير معلومة.
هذا وجه من وجوه المشهد المتعدد لفانتازيا الفضاء، بقدر ما ننحاز فيه الى العلم، ننحاز أيضا الى الخيال، إذ بدون هذا لا قيمة لذاك، والعكس صحيح. غير أن اللافت في معظم مستجدات الأخطار الفضائية المحدقة بالأرض، وما تتداوله المجلات والمواقع بتهويل متصاعد الوتيرة، بات أكثره أقرب إلى فرقعات فقاقيع الصابون، كليشيهات ما أبعدها عن حقائق علمية لم تتأكّد واقعيتها فعلا، إذ ظلت مجرد فرضيات مبالغ فيها تصلح لتسلية العقول الفجة.
أمّا متابعو هذه الاكتشافات والأخطار، قديمها وجديدها، راهنها ومستقبلها، والمقصود الزائف منها والذي لم يحدث شيء منه بالفعل، فأغلبهم مهووسون بالتشويق والإثارة، إذ لا شيء غيّر في عقيدتهم مما قيل وأُنذِر به، ولم يتحقّق، ومع ذلك قابلية التصديق لديهم حدّ الهلوسة ظلت كما هي لم تتزعزع، فيما الراسخون في العلم يغلبون الحذر والنسبية في التفاعل، وفي الوقت نفسه لا ينفون عن هذه الظواهر سحريتها إذا ما قيست بشعرية الخيال.