وعندما رفضت مؤسسة الدراسات الفلسطينية الانضواء تحت جناح المنظمة للحفاظ على استقلاليتها، تأسّس على يدي الأكاديمي الفلسطيني فايز صايغ "مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية" في بيروت في عام 1965، ليكون كما وصفه أحمد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير، "عقل المنظمة".
ترجمَتْ هلدا شعبان صايغ مع المركز في عام 1969 أجزاء من يوميات تيودور هرتزل إلى العربية، ونشر المركز أيضا الكتب الأكاديمية المتعلقة بالسياحة في إسرائيل والبطالة هناك، وتشكيل القرى التعاونية في الأراضي المحتلة وغيرها الكثير من المنشورات المهمة والنزيهة حول إسرائيل، رغم أنها كانت جميعها تحت مظلة مشروع "اعرف عدوك".
نشر المركز أيضا أعمالا شعرية ومصوّرة وأبحاثا وأوراقا علمية لمجموعة من الفلسطينيين الراحلين، مثل أوراق عارف العارف وعوني عبد الهادي، والكتّاب الفلسطينيين المعروفين والمؤثرين في العالم العربي مثل محمود درويش.
وفي عام 1971أصدر المركز المجلة الدورية "شؤون فلسطينية" التي أريد لها أن تكون منتدى لمختلف الأفكار والآراء والاتجاهات وأن تهتم بالشؤون الفلسطينية ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وقد انضم درويش إلى أسرة المجلة في 1973وخَلَفَ صايغ في رئاسة تحريرها في عام 1977وعمل في إدارة تحريرها إلياس خوري وفيصل حوراني.
حققت المجلة انتشارا واسعا في العالم العربي، أما أبحاث المركز ومنشوراته المتخصصة الأخرى فشملت القراء الفلسطينيين والعرب وصناع القرار في الغرب، ولكنَّ أهمَّ قراء إنتاجات المركز، وفقا لغريبيتز، كانوا المحللين في المخابرات الإسرائيلية.
وقد صدر منعٌ في الأراضي المحتلة في عام 1977من الرقيب الرسمي في الجيش الإسرائيلي على العديد من المنشورات العربية ومنها منشورات المركز، ومن ضمنها كتب مثل "يوميات هرتزل" و"الدولة والدين في إسرائيل" و"إسرائيل الكبرى" و"أضواء على الإعلام الإسرائيلي" وغيرها الكثير، وهكذا لم يفاجأ الإسرائيليون بمثل هذه العناوين عندما نهبوا المركز أثناء الاجتياح.
اعرف عدوك
عنون غريبيتز الجزء الثاني بـ"دراسة العدو"، وهو الهدف الرئيس من مركز الأبحاث، حيث نشر المركز دراسات مطولة حول الكيبوتزات وحزب "حيروت" الذي كان على رأسه مناحيم بيغن، وحزب "ماباي" الذي أسسه ديفيد بن غوريون، و"الهستدروت" (الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية).
مناحيم بيغن، قائد منظمة إرغون، وهي جماعة يهودية متطرفة صغيرة في صورة التقطت عام 1948 في مكان ما في إسرائيل وهو يخاطب نشطاء منظمته العسكرية
وتعمّقتْ دراسات المركز وأوراقه في أصول الصهيونية والكتابات المؤسسة لها، ونشر المركز الكتاب الشامل، "الفكرة الصهيونية: النصوص الأساسية"، حول النصوص الكلاسيكية باللغة الإنكليزية اعتبارا من الحاخام يهودا القالي (ت: 1878) حتى كتابات بن غوريون.
يلاحظ غريبيتز فكرة غريبة، يمكن الاشتباك والسجال معها بالطبع، تقول إن الخلفية المسيحية للشخصيات الأهم في المركز دفعت في اتجاه التركيز على الأصول الدينية للفكرة الصهيونية، على عكس الدراسات الأكاديمية الأميركية والأوروبية.
فصّلَ غريبيتز في أفكار كتاب "التلمود والصهيونية" لأسعد رزوق عام 1970، الذي تحدث حول رفض معاداة السامية باسم تحرير فلسطين، حيث رأى رزوق أن العرب تبنوا الأفكار الأوروبية التقليدية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة التلمود، مما أضر بكل تأكيد بقضية فلسطين.
وخصص غريبيتز عدة صفحات لدراسة المجلس الأميركي لليهودية (تأسس 1942)، المنظمة الخاصة باليهود الأميركيين الذي لا يؤمنون بقومية اليهود، بل بكونهم دينا، والمعارضين تاريخيا لقيام دولة إسرائيل.
نشر المركز أيضا العديد من الدراسات حول المرأة اليهودية في إسرائيل وعن التاريخ الزائف حول العرب الذي يعلمونه لأفراد الجيش الإسرائيلي وللمواطنين لتشكيل إيديولوجيا يهودية قومية توسّعية، في ما يشكّل الجانب المقابل لدى الإسرائيليين لفكرة "اعرف عدوك" والتي لا مانع ألا تكون نزيهة.
ناقش غريبيتز مسألة اليهود في الدول العربية وسؤال العنصرية، من خلال الفكرة التي طرحها الصهاينة حول وجوب إنقاذ ونجدة هؤلاء اليهود من أوضاعهم المزرية، مركزا على كتاب "المرأة اليهودية في فلسطين المحتلة" (1968) لأديب قعوار. وقد ركز هذا الكتاب وغيره العديد من الدراسات التي نشرها المركز على العنصرية الصهيونية التي تنقسم شقين: العنصرية ضد غير اليهود، والعنصرية ضد اليهود غير الأوروبيين، وقد رأى غريبيتز أن هذه الرؤية تختلف مع وجهة نظر المنظمة التي تقول إن الصهيونية تنظر إلى اليهود كعرق بذاته.