على الموقع الرسمي لـ "الإخوان المسلمين" فرع مصر، تُعرف الحركة عن أهدافها ومشروعها وتذكر أن شعارها "الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا". بينما تتبدل الصياغة ليبقى المضمون نفسه على موقع "الإخوان المسلمين" فرع سوريا الذي يذكر أن غاية الجماعة "عبادة الله تعالى، وابتغاء رضوانه، وهدفها: استئناف الحياة الإسلامية، ببناء الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، والدولة المسلمة، بالدعوة والتنظيم، معتمدة جميع الوسائل المشروعة".
والتجارب المتكررة مع الجماعة أثبتت أن الغاية تبرر الوسيلة، ولا أظن أن هناك حزبا أو جماعة سياسية طبقت نظرية مكيافيلي كما فعل "الإخوان"، والمعضلة هي هذا التشابك والتماهي والخلط بين السياسة والدين، وإن كان الدين يعطي إجابات مطلقة فإن السياسة بطبعها أمر نسبي، وهذا الدمج بين الأمرين يضع أي منتقد للجماعة ولأدائها السياسي لا موضع انتقاد فحسب، بل يتحول عند جمهورهم إلى خارج عن الدين وعدو للإسلام.
وهذا المقال سيكون للحديث عن الفرع السوري في الجماعة والتجارب التي أوصلت الثورة إلى ما وصلت إليه.
الغاية الأبرز التي تمسك بها "الإخوان" وسعوا إليها هي السلطة والهيمنة، وكذلك تسعى جميع الأحزاب السياسية، فالأحزاب ليست جمعيات خيرية لخدمة المجتمع دون مقابل.
بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة في سوريا خلفا لوالده الراحل حافظ الأسد عام 2000، بدأت في سوريا مرحلة من الانفتاح سُمح فيها بظهور بعض المنتديات السياسية ووسائل الإعلام الخاصة، عُرفت تلك المرحلة باسم "ربيع دمشق". لكن سرعان ما تراجع النظام عن وعوده بالانفتاح ومنح السوريين هامشا من حقهم في الحرية، فلم تمضِ سوى أيام معدودة حتى عاد النظام لسياسته المعهودة بالقمع والاعتقال وتكميم الأفواه، ومن تابع مسيرة "ربيع دمشق"، ومن ثم تشكل "إعلان دمشق" يعرف تمام المعرفة أن نائب رئيس الجهمورية آنذاك عبدالحليم خدام كان من المحرضين على المعارضين والمنتديات، داعيا إلى زجهم في السجون، وهو ما حصل، حيث أغلقت المنتديات واعتقل الكثير من المعارضين، وعادت القبضة الأمنية كما كانت.
من آستانة إلى سوتشي واللجنة الدستورية، كان "الإخوان" دوما سباقين وإن لم يكونوا الوحيدين، إلى حجز مقاعد كثيرة لهم في كل المشاريع
عانى "الإخوان المسلمون" من الاضطهاد في ظل حكم حافظ الأسد، اعتقل الكثير منهم وهرب الكثير منهم إلى منافيهم، حتى إن القانون 49 لعام 1980 كان يقضي بإعدام كل من ينتمي للجماعة.
لكن الكثير من المعارضين السياسيين للأسد اعتقلوا أيضا وأعدموا وقتلوا تحت التعذيب في السجون، فالاضطهاد لم يكن حكرا على حزب واحد بل على كل من يعارض النظام، والأمثلة كثيرة من "حزب الشعب" إلى حزب "العمل الشيوعي" وغيرهم وغيرهم.
ورغم ذلك، ورغم ما يشكله التواصل مع "الإخوان" من خطر على حياة وحرية أي شخص، ففي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2005، تم تشكيل تحالف سياسي تحت اسم "إعلان دمشق"، رسم هذا التحالف خطوطا عريضة لعملية التغيير الديمقراطي، وأصبح هذا التحالف الكيان الرئيس والأبرز في المعارضة السورية، وضم أغلب الطيف السياسي السوري المعارض من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكان أبرز المنتمين له "التجمع الوطني الديمقراطي" وجماعة "الإخوان المسلمين". ولكن ما هي إلا شهور قليلة وتحديدا في مارس/آذار من عام 2006، حتى أدار "الإخوان" ظهرهم لـ "إعلان دمشق" وذهبوا إلى بروكسل ليعلنوا تأسيس "جبهة الخلاص الوطني" مع خدام الخارج حينها بعد عقود من عباءة نظام الأسد.
لم يطل عقد "جبهة الخلاص" طويلا، ولكن هذه المرة لم يكتف "الإخوان" بإعلان انسحابهم من الجبهة المعارضة في عام 2009، بل علقوا أيضا نشاطهم المعارض للنظام السوري بذريعة الحرب على غزة، وجاء في البيان أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة دفعها إلى "وضع جميعِ إمكاناتها في خدمة مشروعِ المقاومة، وتعليق أنشطتها المعارضة توفيرا لجهودها للمعركة الأساسية ومواجهة العدوان وطالبت النظام في سوريا- انسجاما مع شعار الممانعة ودعم المقاومة- أن يبادر إلى المصالحة الوطنية مع شعبه وإلى إزالة كل العوائقِ التي تحول دون قيام سوريا بدورها المطلوب للدفاعِ عن مكانتها وتحرير أراضيها ودعمِ صمود الفلسطينيين". وبالوقائع فقد كان ذلك نتيجة لمبادرة تركية-قطرية، ولم تكن فلسطين سوى الذريعة، فالاحتلال الإسرائيلي شن عشرات الاعتداءات على الفلسطينيين والأراضي الفلسطينية واجتاح بيروت وقتل الآلاف من الأبرياء ولم تعلق قبلها الجماعة معارضتها.
وبعيد انطلاق الثورة السورية وعند تشكيل "المجلس الوطني"، كان "الإخوان" مكونا من مكونات المعارضة، ولكن سرعان ما حاولوا ونجحوا في كثير من الأحيان من فرض هيمنتهم وسلطتهم على "المجلس" كما على العمل العسكري والإغاثي والمدني، وهذا مجال طويل للبحث كُتب عنه الكثير وسيُكتب الكثير وبالوقائع والأحداث كيف سيطر "الإخوان" على "المجلس" ومن بعده "الائتلاف الوطني" رغم معرفتهم وإدراكهم التام بما سيجلبه ذلك على الثورة السورية من تراجع في التأييد وقلة في الدعم المقدم لها.
من عملية آستانة إلى مؤتمر سوتشي واللجنة الدستورية، كانوا دوما السباقين وإن لم يكونوا الوحيدين، بحجز مقاعد كثيرة لهم في كل المشاريع، حتى لو كانت هذه المشاريع تتعارض مع قيم ومبادئ الثورة السورية وتضحيات السوريين.
اليوم الحرب على غزة على أشدها، وبتنا نسمع- بذريعة الحرب- دعوات للمصالحة مع إيران وميليشياتها، الأمر ليس مفاجئا، فغاية "الجماعة" هي الوصول إلى السلطة، أما الشعارات التي تتزين بها صفحاتهم، فهذه ليست سوى إحدى الوسائل لتجنيد الشباب وإعطاء الفرصة لاستخدام الدين للتخلص من الخصوم والمعارضين.