في الرابع من شهر فبراير/شباط 1969، دخل وفد من الفدائيين الفلسطينيين إلى مكتب الرئيس المصري جمال عبد الناصر في القاهرة، وعرفوا عن أنفسهم بالقول: نحن نمثل الثورة الفلسطينية. تقدمهم ياسر عرفات (أبو عمار)، الذي انتخب في اليوم نفسه أمينا عاما لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، وكان معه فاروق القدومي (أبو اللطف) الذي رتب اللقاء مع الصحافي محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" في حينها وأحد أقرب المقربين من الرئيس المصري.
لا نعرف إن كان هذا اللقاء هو الأول بينهم وبين الرئيس عبد الناصر، فكلاهما- عرفات والقدومي- كانا مقيمين في مصر يوم انقلاب الضباط الأحرار على الملك فاروق سنة 1952، الأول طالبا في جامعة القاهرة والثاني في الجامعة الأميركية. يومها جاء في التقارير الأمنية المصرية أن القدومي كان محسوبا على جمال عبد الناصر، وعرفات على الرئيس المصري الأول محمد نجيب، الذي أجبر على التنحي عام 1954.
جاهر القدومي بموقفه العروبي، وظل محافظا عليه لغاية وفاته أمس الخميس في العاصمة الأردنية عمان، عن عمر ناهز 94 عاما. بغيابه يرحل آخر شاهد على كل مراحل القضية الوطنية الفلسطينية، ولم يبق من مؤسسي حركة "فتح" إلا الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن).
من فلسطين إلى المنفى والشتات
ولد فاروق القدومي في قرية جينصافوط الفلسطينية سنة 1930، كان والده رفيق أسعد القدومي من أسرة ريفية ثرية يعود أصلها إلى قرية كفر قدوم القريبة من نابلس. درس في مدارس القرية المختلطة أولا ثم في قلقيلة، حيث انضم إلى فرقة النجادة شبه العسكرية التي كانت تهدف إلى تدريب وتأهيل الشباب الفلسطيني في مواجهة الانتداب البريطاني. انتقل مع أسرته إلى مدينة يافا التي عاش فيها أجمل سنوات عمره قبل تهجيره في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي سنة 1948. في يافا تعرف إلى الأطفال اليهود وتذكر علاقته بهم قائلا: "إذا غلبونا نضربهم... وإذا غلبناهم نضربهم أيضا".