فاروق القدومي... عارض اتفاق أوسلو ولم يعارض "الأخ" أبو عمار

كتاب كان السبب الرئيس في إلغاء تأشيرة دخوله إلى أميركا

غيتي
غيتي
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وفاروق القدومي خلال لقاء في تونس عام 1992

فاروق القدومي... عارض اتفاق أوسلو ولم يعارض "الأخ" أبو عمار

في الرابع من شهر فبراير/شباط 1969، دخل وفد من الفدائيين الفلسطينيين إلى مكتب الرئيس المصري جمال عبد الناصر في القاهرة، وعرفوا عن أنفسهم بالقول: نحن نمثل الثورة الفلسطينية. تقدمهم ياسر عرفات (أبو عمار)، الذي انتخب في اليوم نفسه أمينا عاما لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، وكان معه فاروق القدومي (أبو اللطف) الذي رتب اللقاء مع الصحافي محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" في حينها وأحد أقرب المقربين من الرئيس المصري.

لا نعرف إن كان هذا اللقاء هو الأول بينهم وبين الرئيس عبد الناصر، فكلاهما- عرفات والقدومي- كانا مقيمين في مصر يوم انقلاب الضباط الأحرار على الملك فاروق سنة 1952، الأول طالبا في جامعة القاهرة والثاني في الجامعة الأميركية. يومها جاء في التقارير الأمنية المصرية أن القدومي كان محسوبا على جمال عبد الناصر، وعرفات على الرئيس المصري الأول محمد نجيب، الذي أجبر على التنحي عام 1954.

أ ف ب
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (يسار) ورئيس اللجنة المركزية لـ"حركة فتح" فاروق القدومي يلتقيان في مقر اللجنة المركزية للحركة في تونس

جاهر القدومي بموقفه العروبي، وظل محافظا عليه لغاية وفاته أمس الخميس في العاصمة الأردنية عمان، عن عمر ناهز 94 عاما. بغيابه يرحل آخر شاهد على كل مراحل القضية الوطنية الفلسطينية، ولم يبق من مؤسسي حركة "فتح" إلا الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن).

من فلسطين إلى المنفى والشتات

ولد فاروق القدومي في قرية جينصافوط الفلسطينية سنة 1930، كان والده رفيق أسعد القدومي من أسرة ريفية ثرية يعود أصلها إلى قرية كفر قدوم القريبة من نابلس. درس في مدارس القرية المختلطة أولا ثم في قلقيلة، حيث انضم إلى فرقة النجادة شبه العسكرية التي كانت تهدف إلى تدريب وتأهيل الشباب الفلسطيني في مواجهة الانتداب البريطاني. انتقل مع أسرته إلى مدينة يافا التي عاش فيها أجمل سنوات عمره قبل تهجيره في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي سنة 1948. في يافا تعرف إلى الأطفال اليهود وتذكر علاقته بهم قائلا: "إذا غلبونا نضربهم... وإذا غلبناهم نضربهم أيضا".

توجه القدومي إلى الأردن مع عرفات واعتقل في أعقاب أحداث "أيلول الأسود" سنة 1970. وأرسل جمال عبد الناصر ضابطا مصريا يطلب من الملك حسين إطلاق سراحه

سافر إلى السعودية للعمل في شركة أرامكو سنة 1950، وفي مدينة الدمام تعرف على أفكار "حزب البعث العربي" المؤسس حديثا في دمشق وانتسب إلى صفوفه. تنقل بين الكويت وليبيا قبل الاستقرار في مصر لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية في الجامعة الأميركية، وفي هذه المرحلة من حياته تعرف إلى ياسر عرفات وتشارك معه في تأسيس حركة "فتح" في أكتوبر/تشرين الأول 1959، وفي إعلان انطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة في 1 يناير/كانون الثاني 1965. كان ينوي إكمال تحصيله العلمي في الولايات المتحدة وقد حصل على سمة الدخول (الفيزا) ولكنه نسي في السفارة الأميركية نسخة من كتاب كان يقرأه بعنوان "صراع الشيوعية والرأسمالية". ويبدو أن هذا الكتاب كان هو السبب الرئيس في إلغاء تأشيرة دخوله إلى أميركا وتغيير مجرى حياته، في مطلع الحرب الباردة بين واشنطن والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي.

أ ف ب
فاروق القدومي رئيس المكتب السياسي لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" (يسار) يستمع إلى زعيم "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" نايف حواتمة خلال لقاء في دمشق، 07 نيسان 2002

النشاط الحزبي

بدأ القدومي يكتب المقالات النارية في مجلة "فلسطيننا" التي كانت تصدر عن حركة "فتح"، وتزوج من زميلته الطالبة في جامعة القاهرة نبيلة النمر، سليلة عائلة فلسطينة ثرية من نابلس. شاركت نبيلة- أو "أم اللطف"- في تأسيس لجنة المرأة في "فتح"، وقد رافقته في جميع مراحل مسيرته النضالية وعملت في جامعة الدول العربية  عندما كان زوجها ممثلا لـ"منظمة التحرير". انتُخب "أبو اللطف" عضوا في لجنة "فتح" المركزية سنة 1965، وفي اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير" عام 1969، حيث كان مسؤولا عن العلاقة مع الرئيس عبد الناصر أولا، ومن ثم مع خليفته الرئيس أنور السادات الذي أبلغه في 4 أكتوبر 1973 عن قرار مصر دخول الحرب مع إسرائيل إلى جانب الجيش السوري، قبل يومين من اندلاعها في السادس من الشهر نفسه. في العام نفسه وفي أعقاب عملية فردان التي قام بها فريق من الكوماندوز الإسرائيلي في بيروت لقتل ثلاثة قادة فلسطينيين، سمي فاروق القدومي رئيسا للدائرة السياسية في "منظمة التحرير"، ولقبه البعض بوزير خارجية القضية الفلسطينية. لعب دورا محوريا في صياغة بيان القمة العربية المنعقدة في الرباط في نوفمبر/تشرين الثاني 1974، التي اعتمدت "منظمة التحرير الفلسطينية" كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. 

من الأردن إلى لبنان وتونس

توجه إلى الأردن مع عرفات واعتقل في أعقاب أحداث "أيلول الأسود" بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني سنة 1970. وأرسل جمال عبد الناصر ضابطا مصريا يطلب من الملك حسين إطلاق سراحه، وسافر بعدها القدومي إلى بيروت، حيث بقي مقيما لغاية الغزو الإسرائيلي سنة 1982.

اعتبر القدومي أن السلطة الفلسطينية "سلطة وهمية لا شرعية لها" ماتت مع مقتل رابين سنة 1995

تدخل المجتمع الدولي لإخراج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، وكان القدومي يريد لهم البقاء في سوريا بدلا من الانتقال إلى تونس، ليكونوا ضمن ما كان يعرف بـ"دول الطوق" المحيطة بإسرائيل. ولكنه أجبر على الذهاب إلى تونس مع بقية القادة الفلسطينيين سنة 1983، ومنها أعلن عن معارضته الشديدة لاتفاقية أوسلو التي أبرمت في سبتمبر/أيلول 1993 بين عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين. وكان القدومي قبلها قد وقف في وجه الاعتراف الفلسطيني بقرار مجلس الأمن 242، الذي دعا لإطلاق عملية سلام في الشرق الأوسط بعد حرب يونيو/حزيران 1967.

أ ف ب
ممثل "منظمة التحرير الفلسطينية" فاروق القدومي يتحدث للصحافة أمام مستشفى بيرسي العسكري في ضاحية كلامار جنوب غرب باريس، أثناء تلقي ياسر عرفات العلاج فيه، 5 نوفمبر 2004

معارضة "أوسلو"

عارض القدومي "أوسلو" ولكنه لم يعارض ياسر عرفات شخصيا ولم يقف في وجه الاتفاقية وجعلها تمر بسلام، مكتفيا بموقفه الثابت أنه يرفض العودة إلى فلسطين بإذن إسرائيلي. قاطع جلسة اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير" في أغسطس/آب 1995، وتوجه إلى دمشق لمقابلة الرئيس حافظ الأسد، المعارض أيضا لاتفاقية أوسلو. وبعد وفاة الرئيس عرفات في أحد المستشفيات الفرنسية يوم 11 نوفمبر 2004، أصر القدومي على أن "أبو عمار" قتل ولم تكن وفاته طبيعية. حاول البعض إثارة خلاف في صفوف القيادة الفلسطينية، ورشحوه لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينة، ولكن هذا الأمر كان ضربا من الخيال لأنه كان يرفض كل مفرزات "أوسلو" ولا يقبل حتى دخول الأراضي الفلسطينية. اعتبر أن السلطة الفلسطينية "سلطة وهمية لا شرعية لها" ماتت مع مقتل رابين سنة 1995. ومع ذلك انتُخب رئيسا للجنة "فتح" المركزية خلفا لعرفات سنة 2004 وظل في منصبه حتى عام 2009. عارض الخلاف الكبير بين "فتح" و"حماس" الذي أدى إلى إخراج "فتح" من قطاع غزة سنة 2007، وبقي على علاقة متينة مع جميع الفصائل الفلسطينية، بما فيها "الجهاد الإسلامي" و"حماس" التي نعته بصفته قائدا تاريخيا للحركة الوطنية الفلسطينية. تراجعت صحته بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وكانت الضربة القاضية يوم وفاة زوجته "أم اللطف" في 26 يونيو 2024، قبل شهرين من وفاته.

font change

مقالات ذات صلة