مريم الساعدي: الحياة قصص قصيرة مهما طالتhttps://www.majalla.com/node/321965/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A7-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%AA
تستند القاصة والروائية الإماراتية مريم الساعدي على تفاصيل ولحظات قصيرة مهما اختلف محتواها يبقى موضوعها الأساس مستمدا من الإنسان. بدأت بكتابة القصة القصيرة وأصدرت مجموعتها الأولى "مريم والحظ السعيد" التي أهلتها للحصول على المركز الثالث في جائزة المرأة الإماراتية للإبداع في الشارقة. ووصلت مجموعتها القصصية "نوارس تشي جيفارا". إلى القائمة القصيرة في جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع المؤلف الشاب 2012.
لم تكتفِ الساعدي بالقصة بل انتقلت الى كتابة الرواية وجاءت روايتها الأولى بعنوان "مملكة النحل في رأسي". إلا أنها لم تتخلص من فكرة القصص القصيرة. تقول في حديثها الى "المجلة": "جاءت روايتي الأولى على شكل أبواب قصيرة مقتضبة في غالبيتها عن أناس يحولون احتمال ثقل الوجود بالتمسك بالمشاعر الصغيرة". هنا حوار معها.
أصدرت رواية "مملكة النحل في رأسي" بعد ثلاث مجموعات قصصية. لماذا انتقلت الى الكتابة الروائية؟
لطالما أردت كتابة رواية مثل الروايات التي كنت أقرأها صغيرة، كنت أريد أن أكتب روايات كثيرة مؤثرة مثل دوستويفسكي وماركيز وديكنز وبرونتي وهمنغواي وهوغو وغيرهم من كتاب العالم الإنسانيين الذين وهبهم الله قلوبا شاسعة مفعمة بالموهبة الخلاقة استطاعت أن تخاطب الإنسان في كل مكان على مر الزمان.
ثم عندما كبرت، صرت أعاني قلق الفكرة وقلة الصبر، فصارت الأفكار تخرج في نصوص قصيرة ظننت أنها ستكبر يوما، في اعتقاد ساذج بأن القصة طفلة الرواية، ثم ينضج الكاتب في مطحنة الزمن ويدرك أن مجرد قدرته على التعبير وكتابة الكلمة انتصار لذاته قبل أن تكون انتصارا للأدب، بغض النظر عن القالب الفني الذي يقدم فيه أفكاره.
دور الأدب الأساسي تسجيل اللحظة التي تبدو صغيرة وكثيرا ما تمر دون أن ينتبه اليها أحد
وأدركت أن شكل الرواية الكلاسيكية لا يناسبني، تركيبتي النفسية والشخصية مقتضبة وتبحث عن الخلاص في أقرب وقت. ان تركيبة كهذه لا تنتج عملا مطولا مكثفا متداخلا كالروايات العظيمة. لكنني أردت حقا الانتقال من كتابة القصة إلى الرواية كعهد أدين به لنفسي الأولى، تلك الفتاة الصغيرة في المدرسة التي تجلس بجانب النافذة تتطلع الى العالم وتحلم حين تكبر بأن تكتب روايات أسطورية. كبرت وأدركت أن الحياة قصص قصيرة مهما طالت، وأن وجود الإنسان على قيد الأمل هو رواية أسطورية بحد ذاته.
منظور إنساني
طرحت في الرواية قضايا الإنسان المعاصر، فما دورك كروائية في تقديم القضايا بطريقة مغايرة لما يطرح يوميا؟
أعتقد أن دور الأدب الأساسي تسجيل اللحظة، اللحظة التي تبدو صغيرة وكثيرا ما تمر دون أن ينتبه اليها أحد. الكاتب هو الذي يجمع اللحظات العادية ويقدمها الى الإنسانية اللاهثة نحو الأهداف الكبرى، ربما حينها تبطئ من لهاثها وتنتبه أن العمر لحظة وأن الانتباه لهذه اللحظة هو الهدف من الحياة.
فسر البعض استخدامك اسم مريم في الرواية بأن الأحداث جزء من سيرتك، فهل تعتقدين أن القراء بمن فيهم المثقفون أحيانا، لم يخرجوا من دائرة ربط العمل الأدبي بشخصية الكاتب؟
صحيح أنني أكتب من اللحظة الراهنة، أو من الفكرة الآنية، وقد يحصل بالفعل تداخل بين النص وواقعي الشخصي، ولكن هذا قطعا لا يعني أني أسجل سيرة ذاتية، وأعتقد أن كل كاتب لا ينسلخ تماما من حياته الشخصية عند كتابته، حتى لو كان في تسجيل سيرة أحلامه.
ولا علاقة لذلك باستخدام اسم "مريم"، فأنا شخص لا أُعرّف ذاتي باسمي، كما لا أُعرّف أي شخص باسمه. الأسماء مجرد إشارات حتى نميز الأفراد في السجل المدني. في الكتابة، وفي علاقتي بنفسي، لا أقول إني أنا مريم، أقول إني أنا، وهذه "الأنا" مبحث وجودي بأكمله، اسم مريم يحمل حمولات تاريخية وروحية كثيرة بدءا من كونه اسم أم السيد المسيح، وقلت مسبقا إني لا أفكر في أسماء الشخصيات، أترك الشخصيات تسمّي نفسها. في قصة "الحنان المسكوب على النملات في الشارع" من المجموعة القصصية الثانية، كان اسم البطلة لطيفة راشد، وهو اسم لم أفكر فيه ولا أعرف أي شخصية في الواقع تحمل هذا الاسم، ولكن ما إن خطرت لي الفكرة وجلست لأكتبها، سمعت صوتا في رأسي يقول إنها قصة بنت اسمها لطيفة راشد وتريد أن أكتبها. كذلك في قصة "الخيمة المثقوبة"، جاءني اسم أسمهان عبد المنعم لأكتب قصة معلمة فلسطينية عانت حرقة اللجوء والموت في الغربة. ولم أكن عرفت أي أحد يحمل اسما كهذا. وهناك أسماء أخرى كثيرة في نصوص متفرقة، فلماذا حين تكون الأسماء مختلفة لا يعلق أحد أني أكتب سير الناس، وحين يصادف الاسم مريم يقال إني أكتب سيرتي؟ هل لأني أفضل استخدام صيغة الراوي المتكلم في الكتابة؟ أجد هذا تفكيرا نمطيا جدا. وإن كان متوقعا ومفهوما من القارئ العادي، فهو مشين ومضحك من القارئ المثقف.
انعكاسات
هل يمكن لمثل هذا التفكير أن يؤثر سلبا على المبدع؟
شخصيا لا يعنيني التأثير السلبي كما لا تعنيني المنفعة، لا أكتب لأُعجب أحدا، أو لأقنع أحدا. يعنيني نصي وحده وإن لم يعجب أحدا، كما أنه ليس بالضرورة أن يعجبني حتى أنا. أكتب كي أقول الأشياء، وأسجّل انعكاسات أشعة الشمس وضوء القمر على سطح الحياة اليومي، وأشعر أن هذه مهمتي الأساسية في الحياة وأحاول أن أؤدّيها كلما توفرت الاستطاعة المزاجية والمكانية والزمانية، ولست منشغلة بأية انطباعات لدى الآخرين.
قلت ذات مرة إنك "تركزين على الفكرة أكثر من اهتمامك بهوية الشخصيات"، فهل تعتقدين أن الفكرة هي الأهم في الرواية، وكل ما يأتي بعدها من مهارات يصب في هذه الفكرة؟
الفكرة مهمة بالتأكيد، كونها نقطة البداية، أنت لا تستطيع أن تنطلق في أي عمل دون فكرة، ستكون فقط كمن يتجول في طريق مجهول دون غاية، وبالنسبة إليّ الهوية في النهاية إنسانية أيا كانت الشخصية، صحيح أن الخلفية الثقافية والبيئة تؤثر على تشكيل هوية الشخصية، ولكني في النهاية أحاول تقديمها من منظور إنساني بحت.
لا تستطيع أن تنطلق في أي عمل دون فكرة، ستكون فقط كمن يتجول في طريق مجهول
وصف كثيرون القصة القصيرة بأنها فن صعب كيف استطعت تطويعه؟
لم أكن أعتقد أن القصة فن صعب، ظننته الأسهل بين أشكال الفن، في الواقع أدرك الآن لماذا صُنّف كذلك. فلقد قرأت في السنوات الأخيرة الكثير من تجارب الشباب في القصة القصيرة ورأيت كم يبدو الأمر أصعب من أن يكون متاحا لأي أحد يطمح للكتابة.
أعتقد أن صعوبته تكمن في القدرة على اختزال الفكرة والحدث في مساحة صغيرة، وهذا يحتاج إلى أن تعرف الكثير من الأشياء كي تتمكن من تمييز الشيء الأهم. وأن تواجه كل المشاعر كي تلتقط الشعور الأثمن، وأن تنفتح على التجربة الإنسانية المتمثلة في الأشخاص والأماكن في تقاطعها مع الأحداث في حاضرها وماضيها وكيف تسير رحلتها في طريق آمال المستقبل الإنساني. حينما تتمكن من تقدير قيمة إنسان ضئيل ينهض من عثرته في سباق ماراثون مزدحم بأبطال يتباهون بقوتهم وتدرك أنها لحظة تستحق التوثيق، ستعرف آنذاك كيف تكتب نصك الذي سيحدّد وحده شكله الفني إن كان قصيرا في قصة أو سرديا طويلا في رواية، ولن يشغلك الأمر كثيرا.
جمعت بعض مقالاتك في كتاب "العيون البلورية للكتابة" ما الذي دفعك لذلك؟
هي مقالات نشرتها في الصحف والمجلات على مدار سنين، وهي كتابتي في النهاية وأردت توثيقها في كتاب فقط وإتاحتها لمن يهتم بصنف كهذا من الكتابات، اخترت المقالات على حسب تصنيف مواضيعها، فهناك باب للهموم الإنسانية عن الأوطان والاغتراب والتطرف والهوية، ثم هناك باب في محاولات البحث عن الذات، ثم باب عن الحياة وفقه البدايات، ثم باب في الفن والأدب عن الكتابة والنشر والسينما والنهوض بالمجتمع عبر الفن والأدب.
الكثيرون من كتاب المقالات ينشرون إصدارا لمقالاتهم فهل تعتبرينها ظاهرة إيجابية؟
سأصدقك القول، في السابق كنت أعتقد أنها ظاهرة سلبية وتدل على إجداب الكاتب ونضوب ينبوعه الإبداعي، فحين يعجز عن إنجاز إصدار جديد في الكتابة يقوم بتجميع مقالاته السابقة وإصدارها في كتاب ليقول إنه لا يزال على قيد الكتابة. لكنني أجد هذا الرأي الآن متطرفا ومجحفا في حق الكاتب، ففي النهاية هذه المقالات هي عصارة أفكاره ونتاج انفعالاته مع الأحداث في فترات مختلفة من الزمن، والدوريات وقتية ومقروئيتها محدودة بمتابعي الصحيفة، فما العيب في ترتيبها وإعادة نشرها بين دفتي كتاب تكون متاحة للقراءة أي وقت لأي قارئ في أي مكان. استمتعت شخصيا بقراءة كتب مقالات كتّاب كثر مثل إصدارات عائشة سلطان من الإمارات والدكتور حسن مدن من البحرين.
ما تقدّمه الكتابة
على اختلاف أنواع كتابتك ما الذي تقدّمه لك الكتابة وما الذي تقدّمينه من خلالها؟
أعتقد أن كتابتي وان اختلفت أنواعها، متشابهة في جوهرها. كتبت المقال بروح القصة، وكتبت القصة بروح الشعر، وكتبت الرواية على شاكلة نصوص قصيرة، وعامة أجد أن ما يهمني هو أن أكتب، وكثيرا ما اكتفيت بمنشورات قصيرة على "فيسبوك" ما إن تطرأ لي الفكرة، وربما في هذا إجهاض للفكرة ولكننا نتعامل مع واقع الحال. وأدين للكتابة بالكثير مما قدمته لي لإثراء تجربتي في الحياة في العلاقات الإنسانية وتعرفي الى شخصيات ثرية إنسانيا ما كنت لأقترب منها لولا الكتابة، وفي الرحلات إلى أماكن مختلفة نحمل نصوصنا الصغيرة نقدمها الى العالم في ملتقيات أدبية منوعة.
الكتابة تهدهد قلبي حين تكسره رياح الأيام العاصفة وتخذله الآمال في غير موضعها
قدمت لي الكتابة الإحساس بمعنى أن أكون شخصا له فكر ورأي ورؤية، وكيف أنني في الحالات التي أنسى فيها هذا المفهوم في خضم انشغالات الحياة، أفقد إحساسي بذاتي فأعود أدراجي إلى مكتبتي أقرأ حتى أجيد الجلوس لكتابة نص جديد، راجية أن أجد روحي المهدورة في طرقات الشؤون العادية ضمن كلمات الكتب العظيمة. قدمت لي الكتابة هويتي واسمي وصوتي وبصيرتي وشكل ملامحي، وهي تهدهد قلبي حين تكسره رياح الأيام العاصفة وتخذله الآمال في غير موضعها، ولا أطمح إلى أن أقدم من خلالها إلا بعضا مما قدمته لي.