يعد أحمد أمين (1886-1954) واحدا من رموز النهضة العربية وروادها في العصر الحديث، ممن عاصروا تلك الفترة البهية الزاهية من تاريخ الثقافة العربية التي كان يتنافس فيها كبار الأدباء والمفكرين في إثراء الفكر العربي بأهم وأعظم المصنفات التي كان لها أثر كبير في تشكيل صورة الثقافة العربية في عصرنا الراهن.
كان لأحمد أمين الريادة والسبق في تقديم مشروع معرفي مهم وموسوعة فريدة من نوعها، هي موسوعة "فجر الإسلام، ضحى الإسلام، ظهر الإسلام"، التي قدم فيها تاريخا ثقافيا للحضارة الإسلامية، وهو بهذا يعد من أوائل المؤرخين الذين اعتنوا بدراسة تاريخ الفكر والحياة العقلية عند المسلمين، حيث تتبع أحداث التاريخ الإسلامي وحقبه وعصوره، دارسا ومحللا الحالة الفكرية والعقلية للعرب قبل الإسلام، ثم بداية البعثة النبوية، فازدهار الحضارة الإسلامية وانتشار سلطانها في المشارق والمغارب، وتطور الفرق والمذاهب، والنظريات والأفكار، وتنوع مصادرها ومشاربها في تاريخ المسلمين، فيدرس الجانب الفكري والديني والثقافي والنفسي والاجتماعي، ويعرج على المشهد السياسي، ويسلط الضوء على الحال الاقتصادي، ثم يمزج ذلك كله فيتجلى لنا المشهد بأبعاده المتنوعة، وكأنه مرآة شاملة لذلك العصر. لهذا أصبح مشروعه من أهم المشاريع الفكرية التاريخية، ومصدرا مهما في هذا الباب استند اليه، واستفاد منه كل من جاء بعده.
حلقة في سلسلة
إن هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، هو حلقة في سلسلة الحياة العقلية الإسلامية التي أخذ أحمد أمين على نفسه باستكشاف حقائقها وعناصرها وأضوائها وظلالها -كما يقول شوقي ضيف- حيث لم يكن في نفوس الناس من هذه الحياة إلا صور غامضة شاحبة، وما هي إلا أن يعكف عليها أحمد أمين ويفرغ لها حتى تنكشف من جميع جوانبها، وكلما أزاح سترا عن جانب منها، انتقل يزيح سترا آخر، وإذا كل الأستار الصفيقة التي كانت تحجبها تنزاح جميعا، وإذا فيها من القوة والغنى والثراء ما جعلها تتسلط على عقول الباحثين من الناشئة والشيوخ، فإذا بهم يشغفون بها شغفا شديدا، بل ينبهرون انبهارا بعيدا.