سيعتقد كثيرون ممن يقرأون العنوان أعلاه أن هذا مجرد مزحة. "ضبط التسلح في الشرق الأوسط؟"، فكيف يمكن ضبط التسلح في الشرق الأوسط؟
تعد المنطقة بسهولة واحدة من أكثر المناطق تسليحا على هذا الكوكب، وقد قدر لها أن تشهد موتا هائلا ودمارا كبيرا ومعاناة إنسانية عظيمة في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضد إسرائيل والاستجابة الإسرائيلية المدمرة.
واليوم يقف الشرق الأوسط على أعتاب حرب إقليمية قد تتحول إلى حرب أكثر فتكا مما أصاب المنطقة من قبل، وأشدّ هولا حتى من أسوأ الصراعات العربية-الإسرائيلية في القرن العشرين.
ولكن إذا نظرت بعناية إلى كيفية تطور الأحداث على مدى الأشهر العشرة الماضية، فستجد لحظات– حتى الأكثر توترا، بل بشكل خاص الأكثر توترا– انخرطت فيها إسرائيل وإيران في شكل من أشكال ضبط الأسلحة لمنع الحرب الشاملة.
لم يكن هذا عرضيا، بل كان عن قصد. لذلك ينهض الآن سؤال كبير عمّا إذا كان من الممكن البناء على هذه التجربة، مهما كانت غير مؤكدة أو عابرة، لتجنب حرب إقليمية كارثية.
الحد من عنف الحرب
لتفادي أي ارتباك، دعوني أوضح ما الذي لا يعنيه ضبط التسلح (arms control) في السياق الإقليمي الحالي، بدلا مما يعنيه. فهو لا يشير إلى استعداد الجهات الفاعلة لخفض إنتاجها من الأسلحة أو حيازتها كوسيلة لتخفيف المخاوف الأمنية المتبادلة. وعلى النقيض من أوروبا بعد الحرب الباردة، عندما اتفق الخصوم رسميا وبنجاح على الحد من أعداد أسلحتهم وتخفيض قوتها المميتة ومداها ودقتها، فإن الشرق الأوسط بعيد كل البعد عن تبني مثل هذه العملية.
وفي الشرق الأوسط اليوم، يحدث ضبط الأسلحة عادة بعد اندلاع الصراع العسكري بالفعل. وكان توماس شيلنغ ومورتون هالبرين قد وصفا، في أوائل ستينات القرن العشرين، ضبط الأسلحة بأنه يشمل جميع أشكال التعاون العسكري بين الأعداء المحتملين بهدف الحد من احتمالات الحرب ونطاقها وعنفها إذا حدثت، وتقليل التكاليف السياسية والاقتصادية للاستعداد لها.