إيران... خشية من تكرار الاغتيالات إذا غاب "الرد الفاعل"

حث لــ"حماس" على التشدد في المفاوضات

أ ف ب
أ ف ب
حجاج إيرانيون يكتبون رسائل على قبور رمزية للمقاتلين الإيرانيين في طريقهم من مدينة النجف في العراق إلى كربلاء في 22 أغسطس

إيران... خشية من تكرار الاغتيالات إذا غاب "الرد الفاعل"

تناولت بعض الصحف الإيرانية الجولة الأخيرة من المفاوضات بقيادة مصر وقطر والولايات المتحدة بين "حماس" وإسرائيل، ومالت معظم الآراء إلى تأييد "عدم مشاركة" "حماس" في هذه المفاوضات، مع العلم أن الحركة الفلسطينية حاضرة فيها من خلال الوسيطين المصري والقطري وإلا ما كان يمكن الحديث أصلا عن جولة مفاوضات جديدة بين الجانبين. ولكن بعض الآراء في الصحافة الإيرانية غيّبت هذا الجانب مكتفية بالإشادة بموقف "حماس" "المعقول والحازم" وبالقول إن "اليد العليا هي لـ(رئيس المكتب السياسي في حماس يحيى) السنوار"، مقابل وصف الموقف الأميركي بـ"النفاق"، بالرغم من أن طهران نفسها كانت قد أعلنت عن خطوط مباشرة مع واشنطن خلال الأسبوعين الماضيين. لكن الأهم الذي يقرأ بين سطور الصحافة الإيرانية هو أن قضية الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق في "حماس" إسماعيل هنية في طهران لا تزال القضية الرئيسة في إيران، سواء تم التطرق إليها مباشرة أو لا، فهناك من يرى في الصحافة الإيرانية أن اغتيال هنية في طهران وضع الأخيرة في موقف محرج، إذ أن غياب "الرد الفاعل"، بحسب هذا الرأي، سيجعل إسرائيل تكرر إغتيالاتها على الأراضي الإيرانية.

كما تطرقت الصحافة الإيرانية للعملية التفجيرية التي وقعت في 19 أغسطس في تل أبيب، معتبرة أنها "تدل على حجم اختراق الفلسطينيين لأجهزة أمن إسرائيل وقدرتها على الهجوم"، وأنها رسالة إلى أميركا وإسرائيل في سيق المفاوضات الحالية.

وفي هذا السياق نشرت صحيفة "جام جم" مقالا بعنوان "مفاوضات سلام أم جلسات توفير الأمن لإسرائيل"؟ بقلم محلل شؤون المنطقة رضا صدر الحسيني في 16 أغسطس/آب، الذي انتقد هذه الجولة من المفاوضات قائلا إن "هذه المفاوضات لم توفر مصالح سكان غزة". وأضاف: "لقد أعلنت حماس قبل انطلاق المفاوضات أنها لن تشارك فيها لأن غزة لا تزال تحت النار بالتزامن مع إجراء هذه المفاوضات"، سائلا: "هل يمكن المشاركة في مثل هذه المفاوضات؟".

وإذ رأى الحسيني أنه "ينبغي التذكير بأن إسرائيل ارتكب جريمة أخرى من خلال قصف مدرسة التابعين التي تؤوي اللاجئين قبل أيام من بدء هذه الجولة مما أدى إلى مقتل عدد كبير من الأبرياء وإصابة الكثيرين"، استنتج أن "حماس لم تجد أن حضورها في المفاوضات سيكون مجديا في ظل الظروف الراهنة التي ما زال يرتكب فيها الجناة الإبادة الجماعية".

المفاوضات لـ"تأخير الرد"

واعتبرت "جام جم" أن "موقف حماس معقول وحازم، فهي لن تشارك في المفاوضات في ظل عدم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وخروج كامل القوات الإسرائيلية من غزة"، وسألت: "لم تتوافر هذه الشروط حتى اللحظة فلماذا على حماس أن تجري مفاوضات من أجل السلام وإعادة أسرى إسرائيل؟".

وأضافت "جام جم": "لقد تلقت مجزرة مدرسة التابعين إدانة وانتقادات من داعمي إسرائيل والمؤسسات الدولية. وبالتالي كيف كان يمكن لحماس الحضور في هذه المفاوضات بعد كل هذه المجازر؟ وكيف كان يمكنها الدفاع عن نفسها أمام الرأي العام وأحرار العالم والنازحين وعوائل الضحايا في الأراضي الفلسطينية وخارجها إذا حضرت المفاوضات؟".

وقال الحسيني: "تعلم حماس أن إسرائيل قد يستغل عدم حضورها في المفاوضات من أجل شن حرب نفسية ضدها وطرح مزاعم بأن كرة السلام كانت في ملعب حماس ولكنها لم تقبل به. ولكن حماس لن تشارك في مفاوضات تجرى في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل جرائمها، فمثل هذه المفاوضات لا تصب في المصلحة العليا للشعب الفلسطيني لأنها قد تحقق اتفاق سلام مؤقت من أجل تحرير الأسرى الإسرائيليين".

وتابعت "جام جم": "اليد العليا في الظروف الراهنة للسيد السنوار، لأن حماس لم تشارك في مفاوضات سلام لا يتوافر فيها الحد الأدنى من الضمانات. فموقف حماس يحكمه المنطق والدراية".

واعتبرت أن "الجولات التي تنعقد في غياب حماس لا تجدي نفعا بتاتا. بالتالي فإن وقف إطلاق النار يجب أن يكون الأولوية في أية جولة من المفاوضات".

ويرى هادي سيد أفقهي، خبير شؤون المنطقة، في مقال على موقع "جام جم" الإلكتروني في 20 أغسطس أن "الولايات المتحدة تتخذ المفاوضات وسيلة لتأخير الرد الانتقامي الإيراني لدم إسماعيل هنية لأنها تراهن على أن قضية الرد على اغتيال هنية سيطويها النسيان بمرور الزمن بهذا الأسلوب، غير أن إيران تتعامل بذكاء مع هذا الموضوع".

تروج الولايات المتحدة أن المفاوضات تحقق تقدما لأغراض انتخابية وإظهار الديمقراطيين وكأنهم يسعون لاتفاق وقف إطلاق النار

موقع "جام جام"

وأضاف أفقهي أن "السياسة الأميركية حول هذه الجولة من المفاوضات تتسم بالنفاق لأن المسؤولين الأميركيين يزعمون أن الاتفاق على قدم وساق وأن إسرائيل أبدت مرونة، والكرة الآن في ملعب حماس لتقبل بشروط الاتفاق".
واعتبر أنه "إذا أراد الأميركيون والإسرائيليون أن تتوج المفاوضات بالاتفاق فلماذا اغتالوا إسماعيل هنية؟ يدل هذا النهج الأميركي والإسرائيلي على أنهم غير جادين في المفاوضات".
ورأى أفقهي أن "المفاوضات هي شراء وقت بالنسبة لإسرائيل لأن نتنياهو يعتقد أنه سيخرج منتصرا من الميدان بعد فوز ترمب بالرئاسة الأميركية".
وتابع: "إن الولايات المتحدة تمارس لعبة المفاوضات لأنها تريد أن تمنع الانتقام الإيراني من إسرائيل بسبب اغتيال إسماعيل هنية... ولكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعلنت أنها لا تتدخل في المفاوضات وأن المفاوضات الجارية لا ترتبط بعملية الانتقام لاغتيال هنية، حيث سيكون من حق إيران أن تقوم برد مناسب على المعتدين".
وحول العملية التفجيرية التي وقعت يوم 19 أغسطس في تل أبيب والتي تبناها الذراعان العسكريان لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، قال صدر الحسيني في مقال نشر في "جام جم" يوم 21 أغسطس إن هذه العملية "تدل على حجم اختراق الفلسطينيين لأجهزة أمن إسرائيل وقدرتها على الهجوم". 

رويترز
المرشد الإيراني علي خامنئي في لقاء مع إسماعيل هنية وزعيم حركة "الجهاد الإسلامي" زياد النخالة في طهران، عشية اغتيال هنية في 30 يوليو

وأضاف: "هذه العملية في تل أبيب جاءت بعد المزاعم التي طرحها وزير الخارجية الأميركي والمسؤولون في إسرائيل حول ضرورة تحقيق وقف إطلاق النار"، معتبرا أن هذه العملية بعثت برسالة لإسرائيل والولايات المتحدة مفادها أن الحركتين الفلسطينيتين نجحتا في اختراق المراكز السكانية والسياسية والاقتصادية لإسرائيل.
وقال: "لن يكون هناك اتفاق لوقف إطلاق النار على حساب حماس وفي مصلحة إسرائيل بعد مقتل أكثر من 40 ألف شخص وتدمير البنى التحتية في غزة وإصرار نتنياهو على السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفي". 
وأضاف: "لا يمكن القبول بمثل هذه الشروط. وقد أرسلت العملية في تل أبيب برسالة واضحة مفادها أن اتفاق وقف إطلاق النار يجب أن يتسم بالعدالة".
وتابع أفقهي: "تقضي العدالة بأن تنسحب إسرائيل من غزة وأن يعود سكان غزة إلى بيوتهم وأن يتم توفير الغذاء والأدوية لغزة دون أي تدخل من إسرائيل، وأن يتم البدء في عملية إعادة إعمار غزة، فإذا توافرت هذه الشروط يمكن تحقيق اتفاق سلام مستدام".
ورأى أنه لا يمكن للولايات المتحدة تحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار بهدف دعم إسرائيل وتوفير الأمن لها،  معتبرا أن "الولايات المتحدة تروج أن المفاوضات تحقق تقدما لأغراض انتخابية وإظهار الديمقراطيين وكأنهم يسعون لاتفاق وقف إطلاق النار".
وتابع: "المسألة الأخرى هي أن إسرائيل والولايات المتحدة قد تنجحان في دفع حماس لتقديم تنازلات ولكنهما لن يستطيعا التحكم في أرواح الفلسطينيين الذين يقومون بعمليات للدفاع عن قضيتهم".

اغتيال هنية وضع إيران في موقف حرج، ولم تتوقف إسرائيل عن تدمير غزة وقتل سكانها بعد أن أعلنت إيران أن الانتقام الصعب آت

صحيفة "سياست روز"

وفي موضوع متصل، دعت صحيفة "سياست روز" في مقال بقلم حميد صفري، بعنوان "اضربوهم قبل أن يتأخر الوقت"، في 16 أغسطس، إلى تحقيق الانتقام الصعب من إسرائيل بعد اغتيال هنية في طهران. وأضاف المقال: "لقد وضع اغتيال هنية إيران في موقف حرج. ولم تتوقف إسرائيل عن تدمير غزة وقتل سكانها بعد أن أعلنت إيران أن الانتقام الصعب آت".
وإذ أشار صفري إلى أن جهودا دبلوماسية كبيرة تبذل للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ومنع حرب إقليمية يصعب التنبؤ بنتائجها، اعتبر أن الامتناع عن "الرد الفاعل" على إسرائيل يؤدي إلى تكرار عمليات مشابهة لعملية الاغتيال تلك في الأراضي الإيرانية.

أ ف ب
سيارات تسير على طول طريق أسفل جسر للمشاة مع لافتة كبيرة تصور الجنرال الإيراني قاسم سليماني وشخصيات من الجماعات المدعومة من إيران، طهران، 14 أغسطس

وتابع الكاتب: "ينبغي على إيران أن توجه ضربة عسكرية بهدف تدمير التجهيزات والمهمات والقوات الإسرائيلية التي ترتبط بعمليات غزة وخطوط التماس في المعسكرات والمراكز اللوجستية لعمليات القصف الكارثية على غزة وذلك بهدف تقليل الضغط العسكري على غزة".
وتابعت "سياست روز": "يمكن أن يطال هذا الهجوم العسكري مناطق واسعة وأن يعطل لفترة ما عمليات وتحركات الجيش الإسرائيلي المنهك أساسا من الحرب غير المسبوقة الجارية، وبالتالي سيتعرض هذا الجيش إلى صدمة أكبر من خلال الهجوم الإيراني مما سيسرع من انهيار مؤسسة الجيش وتصاعد الأزمات الداخلية على الأصعدة المختلفة".
وختم  المقال: "اضربوهم قبل أن يتأخر الوقت أكثر من ذلك".

font change

مقالات ذات صلة