في استخلاص غريبٍ وساخرٍ في آن معا، يقول المؤرخ الأميركي توماس بيلي (1902-1983) في كتابه "التاريخ الدبلوماسي للشعب الأميركي" (A Diplomatic History of the American People): "إن داي الجزائر، وبشكل غير مباشر، كان واحدا من الآباء المؤسسين للدستور الأميركي". وما يبدو مستهجنا في هذا الاستخلاص، إنما هو تلخيص حاذق للدور الذي لعبه قراصنة شمال أفريقيا، خلال الربع الأخير من القرن الثامن عشر، في وعي الأميركيين لهويتهم وصياغة دستورهم، أقدم الدساتير المعمول بها حتى اليوم.
من الاستقلال إلى الإذلال
بدأت القصة في الرابع من يوليو/تموز عام 1776 حين أعلنت المستعمرات الأميركية الثلاث عشرة استقلالها عن التاج البريطاني، فغدت سفنها التجارية الناشطة في موانئ البحر المتوسط، بين ليلة وضحاها، مكشوفة أمام قراصنة الإيالات العثمانية شبه المستقلة، في الجزائر وتونس وطرابلس الغرب، والذين اعتادوا على قبض الإتاوات من السفن المحملة بالأخشاب والسكر والتبغ وخمور بوسطن الشهيرة، مقابل عدم التعرض لها.
لم تفلح جهود الأميركيين في إقناع حلفائهم الفرنسيين بوضع سفنهم تحت حماية الأسطول الحربي الفرنسي، فالمصالح الاقتصادية الأميركية الفرنسية افترقت هنا، الأمر الذي سمح للقراصنة بتركيز هجماتهم على السفن القادمة من العالم الجديد بشكل أكبر وأكثر جرأة. ولم يأت يوم توقيع معاهدة باريس التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة عنها في الثالث من سبتمبر/أيلول عام 1783، حتى كان الأسطول التجاري الأميركي في خبر كان، والكثير من ربابنته ونوتيته معروضين في أسواق النخاسة.
كان الأمر مؤلما ومهينا لآباء الاستقلال الأميركيين، وتشكلت لديهم قناعة بأن قراصنة المتوسط المسلمين، يؤدون دورا رسمه لهم البريطانيون، بغية إذلالهم وتمريغ أنوفهم بالتراب، ووضعهم أمام حقيقة عجزهم عن فعل أي شيء من دون حماية ورعاية الأم الرؤوم بريطانيا.