إذا سئل أي مواطن أو شخص في المنطقة عما إذا كان فعلا يريد توقف الحرب في قطاع غزة و"جبهات الإسناد" فإن جوابه سيكون حتما: نعم. لكن هذه التمنيات لا تلقى ترجماتها الفعلية على أرض الواقع. إذ إن قرار الحرب كما قرار التسوية والسلم هو في أمكنة أخرى وعند أشخاص ودول لا تؤثر فيها رغبات شعوب المنطقة المنكوبة والتي تتحمل نتائج الحرب من دون أن يكون لها أي تأثير في مساراتها. وهذا أمر لا يمكن القفز فوقه عند التأمل في أحوال الحرب وتداعياتها والتي للمفاوقة تمثل انكشافا حقيقيا لواقع دول المنطقة وأحوال شعوبها خصوصا تلك الدول التي تعيش على تماس مباشر مع الحرب، وخصوصا لبنان وسوريا وأبعد منهما العراق واليمن، إذا ما أخذنا في الاعتبار "الوضع الخاص" لكل من الأردن ومصر خلال هذه الحرب، إذ إنهما وإن كانا يعيشان على وقع الحرب ويتحملان تبعات ومخاطر جراءها إلا أنهما لا يشاركان فيها مباشرة، لكن هذا لا يعني أن الأردنيين والمصريين لا يريدون هم أيضا توقف الحرب.
في المقابل، فإن الاندفاعة الإسرائيلية للحرب لم تتأثر كثيرا بمجرياتها، فمع دخول الحرب شهرها الحادي عشر لم يصبح رافضو استمرارها أكثرية في إسرائيل، وهذا ما يجعل بنيامين نتنياهو يذهب بعيدا في مناوراته ومحاولاته لإجهاض التسوية أو تأجيلها أكثر فأكثر. لكن الفارق أن السياسة في إسرائيل ورغم كل الاتهامات لنتنياهو واليمين المتطرف بمحاولة تقويضها ومنذ ما قبل الحرب، إلا أن القرار في إسرائيل ليس في يد رجل واحد، أي نتنياهو، أو أن الدفاعات الداخلية ضد محاولته التفرد بالقرار لم تسقط وهي تستمر في الضغط عليه، وذلك بخلاف ما يحصل في غزة أو لبنان المعنيين مباشرة بهذه الحرب، حيث إن القرار محصور بأيدي أشخاص محددين، وحيث إن السياسة أصبحت تتركز في الأنفاق لا في المؤسسات.