هذا التكرار يظهر كإيقاع إيحائي في الوجوه، مع إضافة رموز بصرية بسيطة تشكل تكوينات رمزية تلمح الى واقعٍ معين أو سردية سورية خاصة تتعلّق بالمهاجر والمغترب. يُستخدم الكادر والإحاطة بالوجه لخلق رمزية لونية. فالأزرق، على سبيل المثل، يُستخدم رمزا للغرق أو إشارة إلى الشخصيات التي أصبحت علاقتها بالبحر والماء جزءا من تجربتها الوجودية.
في لوحة أخرى، تُشكِّل شلهوب شخصية القبطان أو المُهرّب، الذي يحرك السفن في اتجاهات متعددة. هنا، يُجسد المصير السوري كعالق بيد قبطان مُغامر، مهرّب يجرّب في حياة الناس عبر تحريك السفن التي تبدو أقرب إلى السفن الورقية. تعبر هذه اللوحة عن هشاشة الكيان السوري وهو يحاول الوصول إلى الخارج، وتعكس هشاشة السفينة والحلقة الدائرية المفرغة بين شطوط المتوسط. تجسّد اللوحة تعبيرا عالقا في حياة السوريين، مستحضرة ذاكرة آلاف الموتى الذين قضوا في البحر. القبطان بالكاد يُعتبر قبطانا؛ فهو يقترب من كونه مهرّبا يتلاعب بحركة السفر التي تدور في حلقة مفرغة، مُثقلا بالسعي للنجاة. يقلب السفن الورقية بيديه، باحثا عن مصير لتجارته، وقد يكون مصير السوريين أيضا.
في لوحة أخرى، تُصور السفينة الورقية الهشة بوصفها تاجا للمهرّب، وكرسيه عبارة عن أسلاك مذهبة، مما يعكس تناقضا بين الرفاهية والتشوه. وجه المهرّب، الذي ننساه لننسى التجربة، تعيده الفنانة رمزا فظيعا يبقى ليشكل جزءا من الهوية، مُسجلا جزءا من الذاكرة الجمعية وصور المأساة.
يظهر بعض الوجوه دون تصوير دقيق أو انطباعي، فتغدو كدمات أو خدوش أو نقاط بتكوينات لونية متبعثرة على الوجه. من خلال هذا التقديم، تضيف شلهوب بُعدا تأويليا يعكس هوامش التأثر النفسي للمغترب، مثل الانكسار والخجل والخوف، أو حتى الموت. فانمحاء الوجه في التكوين يُمثل صورة منتهكة للذات التي عبرت ونجت أو سافرت وفقدت كل ذاكرة جميلة، أو ذاكرة يمكن الاعتراف بها وسردها.
في بعض اللوحات، يُمنح الوجه مركزية في التكوين، مستحوذا على حجم اللوحة بالكامل، مما يجعله عنصرا أساسيا في العمل الفني. مع ذلك، فإن نقطة الالتقاء مع المتلقي تُدمّر عبر بقع لونية فاقعة، تُستخدم لتشويه الوجه وكسر وحدة ظهوره، مما يؤدي إلى خلخلته وإحداث تباين لوني يخلّ بالاتزان البصري. هذه التقنية تُبرز التناقض بين الحضور البصري للوجه والتمزق العاطفي الذي يعبر عنه، مما يعزّز تأثير العمل الفني ويعكس الواقع المعقد للتجربة الإنسانية في ظل الغربة والتهجير.
ملمح جماعيّ
تقدم شلهوب تشكيلا جماعيا في بعض لوحاتها، مبرزة تعدّد الشخصيات وتكثيف الاجتماع السوري. تعكس هذه اللوحات روح التجمع المفقود في السرد الشفوي السوري، مستحضرة الذكريات الجماعية للأوقات التي يقضيها السوريون مع عائلاتهم وأصدقائهم. من خلال هذه الأعمال، تُعيد إنتاج الروحية الكلاسيكية للجلسات السورية، مُعبّرة عن واقع متخيل ومُتذكّر من خلال التفاصيل البصرية والرمزية.
اللوحات التي تصوِّر الجلسات السورية، بتشكيلها التقليدي وسياقها، تُكرس فكرة عالقة بين المغترب وذويه، وبين المغترب وأصدقائه. يجسّد هذا التكوين الفني البُعد النفسي العميق لهذه الجلسات، حيث يصبح الاجتماع العائلي أو الاجتماعي رمزا للاتصال المفقود والفقدان العاطفي الناتج من الاغتراب. يعكس التكرار في هذه اللوحات الارتباط العاطفي والحنين إلى الماضي، مما يضفي على العمل الفني بُعدا نفسيا وفنيا يعكس واقعا متناقضا بين الذكريات الجميلة والحاضر المؤلم.
ترفع شلهوب مستوى المخيلة التذكرية من خلال زرع صور تُخلد الافتقاد العاطفي والانفعالي لمفهوم الآخر القريب. هذا الافتقاد يتناول جوانب فلسفية تتعلق بالاجتماع والصدق في العلاقات الإنسانية، مقارنة بتجربة الاغتراب التي تواجه الآخرين الغرباء. يُظهر هذا التناول الفجوة بين العلاقات الإنسانية الأصيلة التي تُبنى على الصدق والتواصل العميق، وتجارب الاغتراب التي قد تفتقر إلى الصدق والحميمية.
بفضل هذه الرؤية، تعزز شلهوب التفكير الفلسفي حول التباين بين التجارب السابقة التي تعكس العمق والصدق في العلاقات، والتجارب الحالية التي ربما تكون أقل تواصلا وأقل عمقا. تعبّر لوحاتها عن البحث المستمر عن تلك الصداقات والعلاقات الأصيلة، وتسبر أغوار الفجوة بين الذكريات الجميلة وتجربة الواقع الحالي للمغترب.