في اليوم الذي وصلت فيه "المجلة" إلى مدينة آميدية/العمادية في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، والواقعة على بُعد 200 كيلومتر شمال غربي العاصمة أربيل، قصفت طائرات تركية تلال "سولاف" التي لا تبعد عن المدينة أكثر من 4 كيلومترات. وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان رسمي مساء إنها استهدفت 17 مقاتلا من "حزب العمال الكردستاني".
مواجهات في كل مكان
السكان المحليون هناك حذروا من التنقل/التقدم شمال المدينة. فعلى بُعد مسافة قريبة جدا تقع قاعدة "كلي سولاف" العسكرية التركية، ومنها شمالا وغربا يتشكل المربع العسكري الأكثر سخونة للصراع بين الجيش التركي ومقاتلي "العمال الكردستاني" منذ عدة أشهر. فمن تلك القاعدة وصولا لقاعدة "دارسكيني" على بعد 20 كليو مترا شمالا، بالقرب من الحدود التركية، وصولا لمعبر "سةرزيري" الحدودي، ومنها إلى بلدة "كاني ماسي"، ثمة مواجهات وعمليات قصف جوي شبه يومية، أجبرت سكان أغلب القرى الواقعة في ذلك المربع على إخلاء منازلهم، وأوقفت الحياة السياحية والاقتصادية في المنطقة تماما.
في ذلك اليوم نفسه، كانت وسائل إعلام محلية تنقل أخبارا عن اندلاع حريق واسع في قرية "كلاله" في قضاء ماوت التابع لمحافظة السليمانية، والذي يبعد أكثر من 400 كيلومتر عن موقع العمليات الذي زارته "المجلة" في محافظة دهوك. قال سكان القرية إن طائرة حربية تركية استهدفت القرية بثلاثة صواريخ، ثم قصفت ناحية "قسره" في قضاء جومان شمالا، ومرتفعات في قضاء سيدكان التابع لمحافظة أربيل، الذي قال "قائم مقامها" لوسائل الإعلام إن قرابة نصف أراضي القضاء واقعة منذ أعوام تحت سيطرة الجيش التركي.
المساحة الجغرافية الواسعة والمدى الزمني الطويل للمواجهات، يكشف طبيعة الصراع المسلح بين الجيش التركي ومقاتلي حزب "العمال الكردستاني" ضمن أراضي إقليم كردستان. فما يجري ليس مجرد عمليات عسكرية موضعية ومؤقتة ضد مقاتلي "الكردستاني"، بغية إبعادهم عن الحدود التركية، أو خلق منطقة آمنة على طول الحدود المشتركة مع إقليم كردستان. بل تتجاوز ذلك، لتكون فعليا حربا واسعة النطاق، تدور حول السيطرة/ السيادة على بقعة جغرافية واسعة، هي أكثر المناطق الجبلية وعورة بين المنطقتين، تمتد على قوس يمتد من الحدود الإيرانية/ العراقية شرقا، وصولا للمثلث الحدودي للعراق مع كل من تركيا وسوريا، في منطقة جبلية شديدة الوعورة، بطول يتجاوز 500 كيلومتر.
حرب لا تنتهي
نتيجة لهذه الحرب، شهدت المناطق الشمالية من محافظة دهوك طوال السنوات الخمس الماضية نزوحا متواصلا للمدنيين، القرويين بأغلبيتهم، ومثلهم سكان الأقضية الموازية في محافظة أربيل. يُقدم المواطن الكردي "حسو ملا درويش" في حديث مع "المجلة" صورة عن مراحل النزوح المتتالية والمستمرة للسكان طوال هذه السنوات، قائلا: "قبل أربع سنوات نزحنا أنا وزوجتي من قريتنا الحدودية إلى بعض مناطق ذوينا بالقرب من بلدة (كاني ماسي)، لكننا كُنا نعود بين فينة وأخرى. منذ أكثر من سنتين صارت العودة ومتابعة الأعمال مستحيلة تماما، فيما اقتربت العمليات العسكرية من منطقة استقرارنا الجديدة، فغادرنا نحن ومستضيفونا إلى منطقة جديدة، جنوب غربي البلدة. وراهنا لا تبعد المواجهات العسكرية عن مكان استقرارنا أكثر من 5 كيلومترات، ولا نعرف أين سنكون بعد شهر من الآن".
هدف العمليات العسكرية الذي أعلنته تركيا، المتمثل في "القضاء التام على مقاتلي حزب العمال الكردستاني"، يفترض أن تكون المواجهات ممتدة على أغلب مناطق إقليم كردستان، حيث ينتشر مقاتلو "الكردستاني" في المناطق الجبلية المنيعة في كل مناطقه تقريبا، حتى في أعماق بعضها، مثل قضاء ماوت في محافظة السليمانية، الذي يبعد عن الحدود التركية أكثر من 200 كيلومتر عمقا.