تعمد الجيش الإسرائيلي في حربه غير المسبوقة على قطاع غزة، استخدام كافة الأساليب المدمرة على المستوى الجسدي والاجتماعي والنفسي. فلم يكتف الجيش خلال عملياته العسكرية بحجم الدمار الذي أحدثه في المنازل والمباني السكنية والخدماتية وفي البنية التحتية، وقتل أكثر من 40 ألف غزي من مختلف الفئات والأعمار خلال عشرة أشهر، بل لجأ إلى استخدام واحدة من الأساليب النفسية المدمرة في عدد من المناطق داخل غزة.
وقد استخدم الجيش في حروبه السابقة على قطاع غزة الطائرات المسيرة الصغيرة دون طيار، ومنها طائرات الدرون وطائرات الكواد كابتر في عمليات الاستطلاع والاستكشاف، وحتى في عمليات القتل والاغتيال من خلال إطلاق القنابل والرصاص، لكن خلال الحرب الحالية ومنذ قرابة أربعة أشهر ماضية، ظهر استخدام جديد لتلك الطائرات عبر تزويدها بتقنيات مكبرات الصوت التي تصدر أصواتا متعددة ومرتفعة خلال ساعات الليل بين المنازل وخيام النازحين المأهولة بالمدنيين.
"نباح الكلاب، مواء القطط، صوت صرصور الليل، وأصوات بكاء الأطفال واستغاثة النساء"، كانت من أبرز الأصوات التي أطلقتها طائرات مسيرة صغيرة في مخيمات البريج والنصيرات وسط قطاع غزة، حيث يقع المخيمان على خط مواز مع محور نتساريم الذي يتخذه الجيش الإسرائيلي مركزا مهماً يفصل القطاع إلى نصفين شمالي وجنوبي. وفي مناطق شرق مدينتي رفح وخانيونس جنوب القطاع خلال عمليات التوغل البري بشكل كثيف، بحسب شهادات عدة استمعت لها "المجلة".
شروق العيلة البالغة من العمر 30 عاما، نازحة من مدينة غزة إلى خيمة في وسط القطاع، كانت وعائلتها في بداية نزوحهم مع اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قد انتقلوا إلى شقة سكنية بمدينة رفح أقصى الجنوب، لكن في بداية مايو/أيار الماضي، ومع كثافة الحديث عن اقتراب عملية برية عسكرية إسرائيلية على المدينة، حاصرتها طائرات كواد كابتر خلال ساعات الليل داخل المنزل "فجأة لقينا طيارات كواد كابتر على الشبابيك، سامعينها، شايفينها، وحتى شامين ريحة محركاتها من كتر ما هي قريبة".
لاحقت الطائرات كل من هم في المنزل من شباك إلى آخر، طيلة ثلاث ساعات متواصلة حتى أنهم اضطروا الى إغلاق الإضاءة وعدم استخدام هواتفهم حتى لا يصدر أي ضوء حتى لو كان خافتا. وتضيف: "اضطريت أروح الحمام، وأول ما ضويت ضو الحمام أجت على الشباك، طفيت الضو، لكن ضلتها واقفة لحد ما طلعت وتحركت للغرفة ورجعت وقفت على شباك الغرفة، كانت ليلة مرعبة".
في اليوم التالي، قررت العائلة النزوح وتغيير مكان وجودهم بعد استشعار خطر كبير قادم، واضطروا الى الانتقال إلى غرب مدينة دير البلح وسط القطاع، وفي خيمة... "قلنا الخيمة أفضل، لكن كمان هنا لاحقتنا أصوات الكواد كابتر، سواء صوت نباح الكلاب أو مواء القطط وبكاء الأطفال، الموضوع مرعب على الصعيد النفسي خاصة أن كل الأصوات بتيجي في ساعات ما بعد منتصف الليل".
الجميع في قطاع غزة أصبح يستشعر الخطر بمجرد سماع صوت اقتراب طائرات الكواد كابتر بغض النظر عن سبب وصولها. أشرف محمد (26 عاما) من سكان مخيم البريج، يقول إنه شاهد على استخدام الجيش الإسرائيلي لطائرات الكواد كابتر في عمليات القتل المباشر واستخدامها في عمليات الاستكشاف وتحديد إحداثيات المنازل وبالتحديد في المخيم الذي يقطنه منذ ولادته. ويضيف: "قبل أربعة أشهر تقريبا خلال توغل الجيش برا في البريج، بدأنا نشهد استخدامها في إصدار أصوات متعددة مثل نباح الكلاب وبكاء الأطفال واستغاثة النساء وبأصوات مرتفعة".