لم تكن الإمبراطورية في أحسن أحوالها تحت حكم فيسباسيان، الذي يلجأ إلى استخدام العروض لكي يشغل عامة الشعب ويجعلهم ينفّسون عن غضبهم بتلك المسابقات والمراهنات المصاحبة لها.
كما لم تكن روما قد تنصرت بعد، حيث كان الشائع في تلك الحقبة الإيمان بالآلهة الأسطوريين الذين ورثتهم عن الإغريق، وكان بعض الأباطرة الذين لهم مجد وسطوة يُعبدون من الشعب، إذ كان يسهل تأليه الإنسان في ذلك الزمان من خلال استغلال سذاجة الشعب.
ونرى كيف تمكن الإمبراطور من إدارة غضب سكان روما الجياع بعد تأخر وصول شحنات القمح البحرية فراحوا يجوبون الشوارع مردّدين "الخبز أو دماؤكم"، لكنهم لحظة سماعهم الجرس يصدح في أعالي المدينة معلنا أنه سيكون هناك سباق، إذا بهم يهرعون إلى مسرح روما تاركين وراءهم المطالب بالخبز.
سكان روما، بحسب هذا المسلسل، لا ينشغلون إلا بالخبز والألعاب التي تحتوي على عروض الحيوانات المفترسة والمصارعة والسباقات. يقترب المجتمع الذي نراه في المسلسل من ذاك الذي ذكره المؤرخ الفرنسي بول فاين في كتابه "الخبز والسيرك" الذي يخبرنا فيه عن الطرق المستخدمة لإدارة الشعوب في قرون خلت، من خلال الاعتماد على تلك الأداتين للسيطرة على مشاعر الناس.
لا تستهدف عروض السباقات إلا شغل الشعب عن واقعه، لكن لوهلة نجد أنها صارت كرة ثلج بين كافة فئات المجتمع، بنبلائه وفقرائه، فالجميع متورّط. منهم من تورط بالمراهنات، ومنهم من تقلقه خسارة مصالحه المرتبطة بتلك العروض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. حتى المشاهد اليوم يجد نفسه مفتونا تدريجيا بتلك السباقات حتى ينتظر إقامتها مثل شعب روما.
إدارة أعمال
سكوربوس أعظم فارس، يملك سجلا حافلا بالانتصارات في سباق الخيل لم يسبق لأحد من نظرائه تحقيق مثل الأرقام التي بلغها والذي يتهافت عليه الجمع في شوارع المدينة، وهو مدرك أنه من نخبة الفرسان في روما، لكن هذه الحقيقة تعاظمت لديه حتى اعتلاه الكبر، وأمعن في النرجسية إلى درجة أنه حين يريد التكلم على نفسه يذكر اسمه بضمير الغائب. لكنه على الرغم من ذلك، يجهل كيفية إدارة مسيرته المهنية بسبب انشغاله في الملذات، مبدّدا جل وقته على معاشرة النساء والإسراف في الشراب غير عابئ بمستقبله، ضامنا أن لا أحد يستطيع بلوغ ما وصل إليه.
من حسن حظ سكوربوس أن مصالحه تلتقي مع تيناكس الطامح إلى منافسة الأفرقاء الأربعة المملوكة لأربعة لوردات حصرا وليس لأحد الحق في مقارعتهم من طريق تأسيس فريق خامس، وهو تماما ما يسعى إليه تيناكس ويطمح أن يكون بقيادة أعظم فرسان في روما سكوربوس. ولهذا الهدف يقوم مالك أكبر نادي مراهنات بمساعدة الأخير على التفاوض والتخطيط من خلال علاقاته مع كبار المسؤولين، وما يفعله يشبه إلى حد كبير ما يقوم به مديرو أعمال اللاعبين والمشاهير في عصرنا الحالي.
أن تسيل الدماء في روما أمر محتوم، لكن لكل شخص منظور مختلف يرى فيه مبررا لذلك. يشير المسلسل إلى اختلاف الرؤى إلى الحكم، في نقاش بين ابني فيسباسيان (الإمبراطوران المقبلان) أثناء غياب والدهما عن العروض التي دائما ما يفتتحها بنفسه بسبب حالته الصحية الحرجة. كان النزال بين مصارعين ويقوم القوي بتعذيب خصمه الضعيف وقطع أطرافه لتسيل كمية كبيرة من الدم، يمتعض الابن الأكبر العسكري تيتوس مما يشاهده، فيعلق الابن الأصغر السياسي ومهندس تلك العروض متعجبا من أخيه "أنت عسكري ظننتك تستمتع برؤية الدماء".
فيرد تيتوس: "نعم، لكنني أحب أن تكون الدماء إما في سبيل الدفاع عن الإمبراطورية أو توسّعها". يبيّن هذا الحوار القصير كيف يستخدم كل منهما تلك الدماء للحفاظ على الإمبراطورية، لكن لكل منهما مفهومه الخاص للوصول الى ذلك الهدف، فالسياسي يرى أن الدماء تهدر لغاية مهمة وهي إشباع رغبة الجمهور المتعطش للعنف وإلهاؤه بتلك العروض لكيلا يصبّ غضبه عليه. في حين يعتقد الطرف الآخر الذي يمثل المؤسسة العسكرية أنه يجب ألا تسيل الدماء إلا في ساحة المعركة.