تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي نشرتها وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية في كوريا الشمالية في 19 ديسمبر 2023 إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز هواسونغفو-18 في موقع غير معلن في كوريا الشمالية
يجد أولئك الذين يخططون ليوم الدينونة، في البنتاغون هذه الأيام، أنفسهم أمام كابوس جديد، حيث لم يعد الخوف من عدو نووي كبير واحد كما كان في الماضي، بل من عدة أعداء في الوقت عينه. ماذا لو هاجمت روسيا دولة عضوا في حلف شمال الأطلسي، ما قد يؤدي إلى استدراج أميركا للدفاع عن أوروبا، ثم استغلت الصين تشتيت انتباه أميركا لغزو تايوان، ثم قررت كوريا الشمالية مهاجمة الجنوب؟ ثلاث حروب، ثلاث مجموعات من الأصدقاء والحلفاء، ثلاث أزمات نووية غير متوقعة. هل تستطيع أميركا التعامل مع كل هذه الأزمات؟ هذا ما يسأله أحد المسؤولين.
يبدو أن الإجابة هي "ربما ليس لفترة أطول"، كما يمكن استخلاص ذلك من تصريحات مذهلة أدلى بها مؤخرا مسؤولون أميركيون كبار. والواقع أن إدارة الرئيس جو بايدن بدأت في الاستعداد لما كان حتى وقت قريب يبدو أمرا لا يمكن تصوره: توسيع القوات النووية الأميركية المنتشرة، بعد عقود من تقليص هذه القوات إلى حد كبير.
وقد يبدأ التراكم في عام 2026، مع انتهاء صلاحية معاهدة ستارت الجديدة، وهي المعاهدة التي تقيد أكبر ترسانتين نوويتين في العالم: أميركا وروسيا. ووفقا لمسؤول أميركي كبير في مجال الدفاع: "إذا قرر الرئيس، عند انتهاء صلاحية معاهدة ستارت الجديدة في فبراير/شباط 2026، أننا بحاجة إلى زيادة حجم القوة المنتشرة، فينبغي أن نكون في وضع يسمح لنا بالتنفيذ بسرعة نسبية". وقد يعتمد مدى أي تراكم وسرعته جزئيا على ما إذا كان الرئيس القادم هو كامالا هاريس، التي قد تحاول الحفاظ على جهود الديمقراطيين للحد من الأسلحة النووية، أم دونالد ترمب، الذي كان في ولايته الأولى صقرا نوويا.
كان مخزون الأسلحة النووية في العالم قد انكمش، بفضل معاهدات الحد من التسلح المتعاقبة، من ذروة تجاوزت 70 ألف رأس حربي في عام 1986 إلى حوالي 12 ألفا اليوم
تحرص مصادر إدارة بايدن على القول إن الترسانة الحالية تلبي التهديدات الحالية، ويعبر المسؤولون في إدارته عن أملهم في عقد اتفاقات للحد من الأسلحة النووية ويؤكدون أن أي قرار بنشر المزيد من الأسلحة النووية لم يُتخذ. ومع ذلك، بدأ المسؤولون الأميركيون، منذ يونيو/حزيران بحذر، وبصراحة أكبر هذا الشهر، ينبهون من تزايد المخاطر النووية. وفي خطاب ألقاه في الأول من أغسطس، قال فيبين نارانغ، أحد كبار المسؤولين في البنتاغون: "إننا نجد أنفسنا الآن في عصر نووي جديد"، مشيرا إلى "المزيج غير المسبوق من الكثير من الدول المعادية للأسلحة النووية التي لا تأبه بالحد من الأسلحة أو جهود الحد من المخاطر، فيما يعمل كل منها على تحديث ترسانته النووية وتوسيعها بسرعة". وأضاف أن تصرفاتهم هذه قد "أجبرتنا على التحول إلى نهج أكثر تنافسية".
وكان مخزون الأسلحة النووية في العالم قد انكمش، بفضل معاهدات الحد من التسلح المتعاقبة، من ذروة تجاوزت 70 ألف رأس حربي في عام 1986 إلى حوالي 12 ألفا اليوم. وفي عام 2009، تحدث باراك أوباما عن السعي إلى "عالم خالٍ من الأسلحة النووية". وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2022، مع اندلاع الحرب في أوكرانيا بالفعل، كانت وثيقة "مراجعة الموقف النووي"(NPR) التي تصدرها إدارة بايدن لا تزال متمسكة بفكرة "تقليص دور الأسلحة النووية في الاستراتيجية الأميركية".
لا يبدو أن روسيا مهتمة باستئناف محادثات ضبط الأسلحة. أما الصين، التي تريد شيئا أقرب إلى التكافؤ مع أقرانها، فلم تهتم كثيرا بهذه المحادثات
أما الآن فيقول نارانغ إن ربع قرن من "التوقف النووي" قد انتهى. وهددت روسيا مرارا باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا. وتقول أميركا إن روسيا تخطط أيضا لنشر أسلحة نووية في المدار، مصمَّمة لتدمير الأقمار الصناعية، في انتهاك لمعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967. وفي الوقت نفسه، تتوسع ترسانة الصين بسرعة. وتقدر وزارة الدفاع الأميركية أن عدد الرؤوس الحربية الصينية قد ينمو من بضع مئات عند مطلع العقد إلى أكثر من ألف رأس بحلول عام 2030 وربما 1500 بحلول عام 2035. كما كثفت كوريا الشمالية اختبارات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات لحمل أسلحتها النووية. وفي يونيو/حزيران وقعت معاهدة للدفاع المتبادل مع روسيا. كما زودت كوريا الشمالية روسيا بقذائف مدفعية. فماذا تقدم روسيا في المقابل؟ تخشى أميركا أن يكون المقابل تكنولوجيا الصواريخ وغيرها من الأسلحة. وتنطبق مخاوف مماثلة على إيران، الدولة التي أصبحت الآن "على عتبة" نووية، والتي زودت روسيا بطائرات دون طيار وصواريخ.
وقد علقت روسيا بالفعل أجزاء رئيسة من معاهدة ستارت الجديدة، رغم أن الجانبين يقولان إنهما لا يزالان ملتزمين بحدودها فيما يتصل بالأسلحة "الاستراتيجية" (أي بعيدة المدى): 1550 رأسا حربيا منتشرا و700 صاروخ وقاذفة ثقيلة. ولا يبدو أن روسيا مهتمة باستئناف محادثات ضبط الأسلحة. أما الصين، التي تريد شيئا أقرب إلى التكافؤ مع أقرانها، فلم تهتم كثيرا بهذه المحادثات، ولكن هل هذا صحيح؟ إن حلفاء أميركا المتوترين يريدون المزيد من الردع النووي، وليس العكس. ويقول نارانغ إن الاستعداد لحرب نووية مفتوحة للجميع قد يساعد في "تحفيز خصومنا على الانخراط في مناقشات استراتيجية للحد من الأسلحة". فإذا لم يحدث ذلك، فستكون أميركا "مستعدة للقيام بما هو ضروري" لردع المنافسين وطمأنة الحلفاء.
ويرى جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن العاصمة، أن مثل نقاط الحديث هذه تشير إلى "الحتمية المتزايدة لسباق تسلح جديد". كما أنها دليل على أن البنتاغون والقيادة الاستراتيجية، اللذين سيشرفان على أي حرب نووية، "مقتنعان بصورة متزايدة بأنهما بحاجة إلى المزيد من الأسلحة النووية" وأنهما يفوزان بالمعركة البيروقراطية.
ويسلط مصير صاروخ كروز البحري المسلح نوويا الضوء على العقلية الجديدة. فقد اقترحت إدارة دونالد ترمب هذا النظام في عام 2018 لتوفير أسلحة نووية "منخفضة العائد" أو "تكتيكية"، ليتم إطلاقها من السفن أو الغواصات في الصراعات الإقليمية المحتملة (بالمقارنة مع استخدام الأسلحة الاستراتيجية في حرب نووية شاملة). وحاولت إدارة بايدن إلغاء صاروخ كروز البحري المسلح نوويا، بحجة أنه "سيحول الموارد" من البرنامج الطموح القائم لتحديث جميع الأرجل الثلاثة لـ"ثالوث" أميركا من الأسلحة النووية التي يتم إطلاقها من البر والبحر والجو. ويشمل التحديث صواريخ باليستية عابرة للقارات جديدة (صواريخ سنتينل Sentinel تحل محل صواريخ مينوتمان 3 Minuteman III)، وغواصات محملة بصواريخ باليستية جديدة (من فئة كولومبيا خلفا لفئة أوهايو) وقاذفات جديدة (طائرات بي-21 تحل محل بي-2 وبي-52)، بالإضافة إلى أنظمة القيادة والسيطرة النووية الجديدة.
المبدأ الأميركي القائم على "الحد من الأضرار"، القاضي باستخدام الأسلحة النووية لتدمير أسلحة العدو، يعني بالضرورة أنه كلما توسعت ترسانة العدو كان من الضروري توسيع الترسانة الأميركية
سوى أن الكونغرس احتفظ بصواريخ كروز البحرية المسلحة نوويا. والآن يمتدح نارانغ مزايا هذه الأسلحة، زاعما أن نشر الأسلحة النووية التكتيكية في أزمة إقليمية من شأنه أن يسمح بتخصيص الأسلحة الاستراتيجية لاستهداف العدد المتزايد من المواقع الاستراتيجية، مثل حقول الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المتوسعة في الصين، والتي يقول المسؤولون إنها تستنزف بالفعل قدرة القوة النووية الأميركية). وقال نارانغ إن نظام صواريخ كروز البحرية المسلحة نوويا يمكن أن يقلل من "خطر سوء التقدير"، أي أن يخطئ العدو في فهم تبادل نووي محدود على أنه هجوم نووي شامل.
وامتثالا لمعاهدة ستارت الجديدة، عطلت الولايات المتحدة بعض أنابيب إطلاق الغواصات، وزودت الصواريخ بعيدة المدى برؤوس حربية واحدة بدلا من رؤوس حربية متعددة، وحولت بعض القاذفات النووية للاستخدام التقليدي. ومع ذلك، قد تتمكن الولايات المتحدة من عكس هذه التغييرات من خلال "تحميل" بعض أو كل الرؤوس الحربية الـ1900 الاحتياطية، على الرغم من أن هذه العملية قد تستغرق بعض الوقت. ولن يكشف المسؤولون عن المدة اللازمة لذلك. وفي هذا المجال، ألمح جنرال في القوات الجوية، هو فرانكلين بلايسديل، إلى ذلك في عام 2002، عندما اقترح أن الأمر قد يستغرق بضعة أيام فقط لتحميل الرؤوس الحربية الاحتياطية على الطائرات، وربما أشهرا لإضافتها إلى الغواصات، وحوالي عام لتعديل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ووفقا للخبراء، فإن بناء مخزون إجمالي أكبر قد يستغرق وقتا أطول.
كم عدد الأسلحة النووية الكافية؟
إن المبدأ الأميركي القائم على "الحد من الأضرار"، القاضي باستخدام الأسلحة النووية لتدمير أسلحة العدو، يعني بالضرورة أنه كلما توسعت ترسانة العدو كان من الضروري توسيع الترسانة الأميركية. ويصر السيد نارانغ على أن أميركا لا تحتاج إلى أن تعادل كل رأس نووي حربي لخصومها برأس نووي. ويشير المسؤولون إلى أن قدرا كبيرا من هذا يتوقف على حسابات معقدة، مثل احتمالات تدمير هدف محدد بنجاح، وما إذا كان من الممكن تحييد الغواصات المسلحة نوويا بالطرق التقليدية، وعدد الأسلحة التي من المتوقع أن تنجو من الضربة الأولى للعدو. وقد اقترح فرانكلين ميلر، وهو مسؤول سابق في البنتاغون، رفع القوة الحالية إلى نحو ثلاثة آلاف أو ثلاثة آلاف وخمسمائة رأس نووي.
ولكن منتقدي هذا النهج يعتبرونه جنونا جديرا بشخص مثل دكتور سترينغلوف، ويزعمون أنه في صراع حول تايوان، على سبيل المثال، من غير المرجح أن تفرق الصين بين الضربات التكتيكية والاستراتيجية ضد قواتها. ويدافع البعض عن ردع "الحد الأدنى"- أي ما يكفي من القدرة النووية لتدمير المدن الرئيسة للعدو في حالة وقوع هجوم مفاجئ.
ويقول جيفري لويس من معهد ميدلبري للدراسات الدولية: "إن ما تصلح له الأسلحة النووية هو تدمير البلدان التي تستخدم الأسلحة النووية ضدك". ويشير إلى أنه عندما يتعلق الأمر بردع دول مثل روسيا، فإن المخزون الإجمالي الذي تمتلكه أميركا والذي يتجاوز خمسة آلاف رأس حربي لن يوفر قدرا أكبر كثيرا من الردع مقارنة بترسانة فرنسا التي لا تزيد على ثلاثمائة رأس حربي.
ومع ذلك، فإن الصين، التي كانت ذات يوم مؤيدة قوية للردع الأدنى، تبنت الآن فكرة مفادها أن المزيد من الأسلحة النووية أفضل. ويثير هذا التحول تساؤلات حول ردود فعل منافس الصين، وهي الهند. ثم منافس الهند، وهي باكستان. ومع اقتراب سباق التسلح النووي الجديد، يتبين أنه قد يكون أكثر تعقيدا من التنافس المرعب بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة إبان الحرب الباردة.